فإذا أَخَّرَهَا بَعَدَ الصَّلاةِ لَمْ يَحْصُلِ الاغْنَاءِ لَهُمْ في هَذَا اليومِ كُلِّهِ.
ويَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا عَنْ يَوْمِ العِيدِ مَعَ القُدْرَةِ، لأَنَّهُ تَأْخِيرٌ لِلْحَقِّ الوَاجبِ عَنْ وَقْتِهِ، وكان عليه الصَلاةُ والسَّلامَ يَقْسِمُهَا بَيْنَ مُسْتَحِقِيهَا بَعدَ الصَّلاةِ فَدَلَّ على أَنَّ الأَمْرَ بِتَقْدِيمِهَا عَلَى الصَّلاةِ لِلاسْتِحْبَابِ.
وَيَقْضِيهَا مِنْ أَخَّرَهَا لأَنَّهُ حَقٌّ مَالِي وَجَبَ، فلا يَسْقُطُ بِفَوَاتِ وَقْتِهِ كَالدَّيْنِ، وَتُجْزِي قَبْلَ العِيدِ بَيوْمٍ أَوْ بِيَوْمَيِّنِ لِقَولِ ابنِ عُمَرَ - رضي اللهُ عنهما -: (كَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الفِطْرِ بَيَوْمٍ أَوْ يَوَمَينِ). رواه البخاري.
وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلى جَمِيعِهم فَيَكُونُ إِجْمَاعًا، وَلأَنَّ ذَلِكَ لا يُخِلُّ بالْمَقْصُودِ، إذْ الظَّاهِرُ بَقَاؤُهَا أَوْ بَعْضُهَا إِلى يَومِ العيدِ.
وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فَطْرَةُ غَيْرِهِ أَخْرَجَهَا مَعْ فِطْرَتِهِ مَكَانَ نَفْسِهِ، لأَنَّها طُهْرَةً لَهُ، وَفِطْرةُ مَنْ بَعْضُهُ حَرٌ وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ، وَفَطْرَةِ قنٍّ مُشْتَرَك. وَفطْرَةٍ مَنْ لَهُ أَكْثَرُ منِ وَارثِ أَوْ مُلْحَقٌ بَأَكْثَرَ منِ وَاحد تُقُسَّطُ وَمَن عَجَز مِنْهُمْ لَمْ يَلْزَمِ الآخرَ سِوَى قِسْطِهِ. وَاللهُ أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمِ.
(فَصْلٌ)
3 - الوَاجِبُ في الفِطْرَةِ:
الواجِبُ عَلى كُلِّ شَخْصٍ صَاعُ بُرٍ، أَوْ مِثْلُ مَكِيلِهِ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ زَبِيبٍ، أَوْ أَقطٍ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه -: (كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ، إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أقط). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَيُجزي دَقيقُ البُرِّ وَالشَّعِيرِ إِذَا كَانَ بِوَزْنِ الْحَبِّ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاحْتَجَّ بِزِيَادَةٍ تَفَرَّدَ بِهَا ابْنُ عُيَيْنَةَ: إِنْ أَحَدًا لَمْ يَذْكُرْهُ فِيهِ قَالَ: بَلْ هُوَ فِيهِ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِي.
قَالَ الْمَجْدُ: بَلْ هُوَ أَوْلَى بَالأَجْزَاءِ لأَنَّهُ كَفَى مُئُونَتَهُ كَتَمرٍ مَنْزُوعٍ نَوَاهُ وَيُخْرُجُ مَعْ عَدْمِ ذَلِكَ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ حَبٍّ يُقْتَاتٍ كَذُرَّةٍ وَدُخنٍ وَباَقِلاءَ لأَنَّهُ أشْبَهُ بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، فَكَانَ أَوْلَى.
وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ الْجَمَاعَةٌ فِطْرَهُمْ لِوَاحِدٍ، وَأَنْ يُعْطِيَ الوَاحِدُ فِطْرَتَهُ لِجَمَاعَةٍ.
وَلا يُجْزِي إِخْرَاجُ القِيمَةِ لأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ.
وَيَحْرُمُ عَلَى الشَّخْصِ شِرَاءُ زَكَاتِهِ وَصَدَقَتِهِ مِمَّنْ صَارَتْ إِلَيْهِ لِحَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: (لا تَشْتِره ولا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ، وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ، فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَحَسَمًا لِمَادّة اسْتِرْجَاعِ شَيْءٍ مِنْهَا حَيَاءً، أَوْ طَمْعًا فِي مِثْلِهَا، أَوْ خَوْفًا أَنْ لا يُعْطِيَهُ بَعْدُ فَإِنْ عَادَتْ إِلَيْهِ بِإرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ أَخَذَهَا مِنْ دِينِهِ مِنْ غَيْرِ شرَطٍْ وَلا مُوَاطَأَةٍ طَابَتْ بِلا كَرَاهَةٍ لِعَدْمِ الْمَانِعِ وَلِحَدِيثِ بُرَيْرَة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ وَإِنَّهَا مَاتَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَجَبَ أَجْرُكِ وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. رَوَاهُ الجَمَاعَةُ إلا البُخَاريُّ، وَالنَّسَائِي.
وَيُجْزِي إخْرَاجُ صَاعٍ مَجْموعٍ مِنْ تَمْرٍ وَزَبِيبٍ وَبُرٍّ وَشَعِيرٍ وَأَقط كَمَا لَوْ كَانَ خَالِصًا مِنْ أَحَدَهَا.
وَلا يُجْزِي مُخْتَلِطُّ بَأكْثَرِ مِمَّا لا يُجْزِي.
¥