قَالَ الله جل وعلا: ? فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ? الآية أَنْزَلَهُ اللهُ جَلَّ وَعَلا عَلَى عباده لِيُعُرِّفَهُم بِهِ نَفْسَه وَيُذَكِّرهُمْ بِهِ أَيَادِيَهُ وَيُنَبِّههم به من رَقدَاتِ الغَافِلين.
وَيُحْيِيَ قُلُوبَهُم ويُنَوِّرَ أَبْصَارَهُم وَيَشْفِي صُدُورَهُم وَيزُيلَ جَهْلَهَا وَيُنْفِي شُكُوكَهَا وَدَنَسَهَا وَزَيْفَهَا وَيُوضِحَ سَبِيلَ الْهُدَى وَيكْشِفَ بِهِ العَمَى وَالشُّبُهَاتِ.
وَيُزيلَ نوازعَ الشَّيْطَانِ وَوَسَاوسَ الصُّدُورِ وَيُغْنِي بِهِ مِنْ فِهْمَهُ وَيَنْعَمَ بِهِ مَنْ كَرَّرَ تِلاوَتَهَ وَيَرْضَى بِهِ عَمَّنْ اتَّبَعَهُ.
هُوَ صِرَاطُ اللهِ الْمُسْتَقِيم الذي مَن سَلَكَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ أَوْقَفَهُ على الرغائب وَسَلَّمَهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَهَالِكِ وَخَفَّفَ عَنْهُ أَهْوَالَ يومِ العَرْضِ والنُّشُورِ. وَأَوْرَدَهُ رِيَاضَ جَنَّاتِ النعيم.
هُوَ حَبْلُ اللهِ الْمَتِين الذي لا انقطاعَ لَهُ مَن تَمَسَّكَ بِهِ نَجَا قال الله جل وعلا وتقدس لرسوله ?: ? فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ?.
ومَن أَعْرضَ عنه عَطِبَ قال جل وعلا: ? وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ?.
ومَن ابتغى الهدى مِن غيره ضَل، ومَن فَهِمَهُ نَطَقَ بالحكم، وجَرَى على لسانه بحسنِ الموعظة، وكان مِن العلماء بالله جل وعلا.
ومَن عقل عن الله جَلَّ ذِكْرُه ما قال فقد اسْتَغْنَى به عن كل شيء وعَزَّ بِهِ مِنْ كلِ ذُل.
لا تَتَغَيَّر حَلاوَتُهُ ولا تُخْلِقُ جِدَّتُه في قلوب المؤمنين به على كثرة الترداد والتكرارِ لتلاوته.
لأنه كلام الحي القيوم، وكل كلام غير القرآن والأحاديث الصحيحة التي جاءت عن النبي ? فإنها تُمَلُّ من كَثْرة تَرْدَادها.
أما القرآنُ وما صح عن النبي ? فإنَّ المؤمِن كُلَّ مَا كرره ازْدَادَ رَغْبةً وَنَشاطًا وَمَحَبَّةً لِلَكَلامِ وَلِمَنْ تَكَلَّم بِهِ وَهَذا مَوجُودٌ عندَنا في فِطَرِنَا فإنا نَسْمَعُ الكَلامَ مِمَّنْ نُحِبُّ مِنْ الْخَلْقِ. ومن نُعَظِّمُ قَدْرَهُ فَتَرْتَاحُ لِذَلِكَ قُلُوبُنَا.
فكيفَ بكلام ربنا رب العالمين الذي خَلَقَنَا وَرَزَقَنَا وَأَعْطَانَا وَآوَانَا وَعَافَانَا وَهَدَانَا.
شِعْرًا:
جَمِيعُ الكُتْبِ يُدْركُ مَنْ قَرَاهَا
(فُتُورٌ أَوْ كَلالٌ أَوْ سَآمَةْ
(سِوَى القُرآن فَافْهَمْ وَاسْتَمِعْ لِي
(وَقَوْلِ الْمُصْطَفَى يَا ذَا الشَّهَامَةْ
(وقد تكلم به حَقِيقة، وأنزله على محمد ? مع الأَمِين مِنْ ملائكته. فالواجب علينا الإصغاءُ وَالتَّفَهُّمُ لِمَا يُتْلَى مِنْ كَلام رَبَّنَا جَلَّ وَعَلا وتقدس.
وَأَنْتَ تعلم أَنَّهُ إِذَا كَان لِلذِّي يُحَدِّثُكَ عِنْدَكَ قَدْرٌ أَصْغَيْتَ إلى حَدِيْثِهِ باسْتِمَاعِ ما يَقُولُ وَتَفْهُم مَعَانِي مَا يَصِفُ.
ولو كان يَحْكِيهِ لَكَ عن حَاكِي لَفَعَلْتَ ذَلِكَ حُبًّا مِنْكَ لِقَائِلِهِ وَتَعْظِيمًا لِلْمُتَكَلِّم بهِ.
ولو أطلعَهُ اللهُ على قَلْبَكِ وَأَنْتَ غافلٌ مُتَشَاغِلٌ عَنْهُ لا تُلْقِي لَهُ بَالَكَ وَلا تَفْهَمِ عَنْهُ قَوْلَه.
لأبْغَضَكَ وَعَلِمَ إِنَّكَ مُسْتَهِينٌ بِهِ سَاهٍ عَنْ حَدِيثهِ وَلا تَهْتَمَّ بِهِ وَلَمْ تَعْبَأ بِفَهْمِ قوله لِقِلَّةِ قَدْرِهِ وَقَدْرِ حَدِيثِهِ عِندَكَ.
وَلو كَانَ عَنِدَكَ قَدْرٌ لأَصْغَيْتَ لِحَدِيثِهِ وَلَمْ تَلهَ عَنْ تَفَهُّمِهِ وَإِنَّمَا لَهَوْتَ عَنْ حَدِيثِ مِنْ حَدَّثَكَ مِنْ الْخَلْقِ لأَنَّهُ غَابَ عَنْهُمْ عِلْمُ ضَمِيرَكَ.
وَلَوْ كَانَ بَادِيًا وَظَاهِرًا لَهُمْ مَا فِيهِ لأَحْضَرْتَ عَقْلَكَ إِلَيْهم وإليهم وإلى كَلامِهم وَحَدِيثهم، وَلَمْ تَرْضَ لَهُم بالاستماعِ دُونَ الفَهْمِ لَهُ، ولا بالفَهْمِ له دُونَ تَحْبُّبِهمْ عَلَى قَدْرِ حَدِيثِهمِ.
لِتُعْلمَهُم أنَّكَ قد فِهَمْتَ عَنْهُمْ ولم تَرْضَ لَهُم بالجَوابَ دُون أَنْ تُوَافِقَهم فَتُعَظِّمَ ما عَظَّمُوا وَتَسْتَحَسَّنَ مَا اسْتَحْسَنُوا وَتَسْتَقْبِحَ مَا اسْتَقْبَحُوا.
¥