قُلْتُ: وَهَذَا التَّضْعِيفُ فِيهِ ثَلاثُ مُخَالَفَاتٍ:
[الأُولَى] مَا أَرَادَ الذَّهَبِيُّ بِقَوْلِهِ «لا يُعْرَفُ» نَفْي عَدَالَتِهِ، وَلا تَضْعِيفَ حَدِيثَهُ!، بَلْ قَالَ: فَمَا كُلُّ مَنْ لا يُعْرَفُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لَكِنْ هَذَا الأَصْلُ.
فَقَدْ قَالَ فِي «مِيزَانِ الاعِتْدَالِ» (1/ 211): أَسْقَعُ بْنُ الأَسْلَعَ مَا عَلِمْتُ رَوَى عَنْهُ سِوَى سُوَيْدِ بْنِ حُجَيْرٍ الْبَاهِلِيُّ، وَثَّقَهُ مَعَ هَذَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، فَمَا كُلُّ مَنْ لا يُعْرَفُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لَكِنْ هَذَا الأَصْلُ.
وَالْحَافِظ الذَّهَبِيُّ هُوَ الْحَكَمُ الَّذِي تُرْضَى حُكُومَتُهُ، فَقَدْ عَدَلَ وَبَرَّ، وَسَبَرَ أَحَادِيثَ الْمَجَاهِيلِ وَاعْتَبَرَ، فَمَا كُلُّ مَجْهُولٍ لَيْسَ بِحُجَّةٍ!، فَقَدْ احْتَجَّ إِمَامُ الأَئِمَّةِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَالشَّيْخَانِ: الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِجَمْعٍ كَثِيْرٍ مِنَ الْمَجَاهِيلِ، وَكَذَلِكَ وَثَّقَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ جَمَاعَةً مَعَ مَا فِيهِمْ مِنَ الْجَهَالَةِ، وَهَؤُلاءِ الأَئِمَّةُ الْفُحُولِ هُمُ الْعُمْدَةُ فِي التَّصْحِيحِ وَالتَّوْثِيقِ.
فَالْقَاعِدَةُ عند الْحَافِظِ الذَّهَبِيِّ فِيمَنْ «لا يُعْرَفُ» مَا أَصَّلَهُ بِقَوْلِهِ فِي «دِيوَانِ الضُّعَفَاءِ» (ص478): «وَأَمَّا الْمَجْهُولُونَ مِنَ الرُّوَاةِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ أَوْ أَوْسَاطِهِمْ؛ احْتُمِلَ حَدِيثُهُ، وَتُلُقِيَ بِحُسْنِ الظَّنِّ؛ إِذَا سَلِمَ مِنْ مُخَالِفَةِ الأُصُولِ وَرَكَاكَةِ الأَلْفَاظِ» اهـ.
وَعَلِيُّ بْنُ عُبَيْدٍ مَوْلَى أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ مِنْ أَوْسَاطِ التَّابِعِينَ، إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ كِبَارِهِمْ، فَحَدِيثُهُ مُتَلَقَّى بِالْقَبُولِ عِنْدَ الْحَافِظ الذَّهَبِيُّ، وَلِهَذَا لَمَّا قَالَ الْحَاكِمُ: «صَحِيحُ الإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ» أَقَرَّهُ الذَّهَبِيُّ، وَقَالَ: «صَحِيحٌ».
[الثَّانِيَةُ] الشَّيْخُ الألبانِيُّ هَاهُنَا فِي «ضَعِيفَتِهِ» لا يَعْتَدُّ بِتَوْثِيقِ ابْنِ حِبَّانَ، وَلَكِنَّهُ يَعْكِسُ الْقَضِيَّةَ بِعَيْنِهَا فِى «صَحِيحَتِهِ»، حَيْثُ لا يَجِدُ مُسْتَنَدَاً لِتَقْوِيَةِ حَالِ الرَّاوِي إِلاَّ تَوْثِيقَ ابْنِ حِبَّانَ وَحْدَهُ!!.
فَقَدْ خَرَّجَ فِى «صَحِيحَتِهِ» (ح 365) حَدِيثَ: «احْضُرُوا الذِّكْرَ، وَادْنُوا مِنْ الإِمَامِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ لا يَزَالُ يَتَبَاعَدُ حَتَّى يُؤَخَّرَ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنْ دَخَلَهَا».
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ (5/ 11)، وَأَبُو دَاوُدَ (1198)، وَالْحَاكِمُ (1/ 298)، وَالْبَيْهَقِيُّ (3/ 238) جَمِيعَاً مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَالِكٍ أَبِي أَيُّوبَ الْعَتَكِيِّ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ مَرْفُوعَاً.
قَالَ الأَلْبَانِيُّ: «وَيَحْيَى بْنُ مَالِكٍ هَذَا، قَدْ أَغْفَلَهُ كُلُّ مَنْ صَنَّفَ فِى رِجَالِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ فِيمَا عَلِمْنَا، فَلَيْسَ هُوَ فِى: التَّهْذِيبِ وَلا فِى التَّقْرِيبِ، وَلا فِى التَّذْهِيبِ. نَعَمْ تَرْجَمَهُ ابْن أَبِي حَاتِمٍ فَقَالَ (4/ 2/190): «يَحْيَى بْنُ مَالِكٍ، أَبُّو أَيُّوبَ الأَزْدِيُّ الْعَتَكِيُّ الْبَصْرِيُّ الْمَرَاغِيُّ، رَوَى عَنْ: عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، وَجُوَيْرِيَةَ. رَوَى عَنْهُ قَتَادَةُ، وَأَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ وَاصِلٍ»، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ جَرْحَاً وَلا تَعْدِيلاً.
وَأَوْرَدَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِى «كِتَابِ الثِّقَاتِ»، فَمِثْلُهُ حَسَنُ الْحَدِيثِ، إِنْ شَاءَ اللهُ لِتَابِعِيَّتِهِ، وَرِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنَ الثِّقَاتِ عَنْهُ، مَعَ تَصْحِيحِ الْحَاكِمِ وَالذَّهَبِيِّ لِحَدِيثِهِ» اهـ.
¥