تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فعلتم بأنفسكم: أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحوّلوا إلى غير داركم، فسمع ذلك زيد بن أرقم فمشى به إلى رسول الله، وذلك عند فراغ رسول الله من عدوه، فأخبره الخبر وعنده عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: مُرْ به عَبَّادَ بْنَ بِشْرٍ فليقتله، وفي رواية البخاري ومسلم: دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال رسول الله: ((دعه؛ لا يتحدث الناس: إن محمدًا يقتل أصحابه، ولكن أَذِّنْ بالرحيل))، وذلك في ساعة لم يكن رسول الله يرتحل فيها، فارتحل الناس وقد مشى عبدُ اللهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ إلى رسول الله حين بلغه أنَّ زيدَ بْنَ أَرْقَمٍ قد بَلَّغَهُ ما سمع منه، فحلف بالله ما قلت ما قال ولا تكلمت به، وكان في قومه شريفًا عظيمًا، فقال من حضر رسول الله من الأنصار من أصحابه: يا رسول الله، عسى أن يكون الغلام قد أَوْهَمَ في حديثه ولم يحفظ ما قال الرجل؛ وذلك حَدَبًا منهم على ابن أبيّ بن سلول ودفعًا عنه. فلما اسْتَقَلَّ رسولُ الله وسَارَ لَقِيَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَحَيَّاهُ بتحية النبوة وسلّم عليه، ثم قال: يا نبي الله، والله لقد رُحْتَ في ساعة منكرة ما كنت تروح في مثلها! فقال له رسول الله: ((أوَما بلغك ما قال صاحبكم؟)) قال: وَأَيُّ صاحبٍ يا رسول الله؟ قال: ((عبد الله بن أبيّ) قال: وما قال؟ قال: ((زعم أنه إن رجع المدينة أخرج الأعزُّ منها الأذلَّ) قال: فأنت يا رسول الله والله لتخرجنه منها إن شئت، هو والله الذليل وأنت العزيز، ثم قال: يا رسول الله اُرْفُقْ به، فوالله لقد جاءنا الله بك وإن قومه لينظمون له الْخَرَزَ لِيُتَوِّجُوهُ، فإنه ليرى أنك قد اسْتَلَبْتَهُ مُلْكًا، ثم مشى رسول الله بالناس يومهم ذلك حتى أمسى وليلتهم حتى أصبح وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس ثم نزل بالناس، فلم يلبثوا أنْ وَجَدُوا مَسَّ الأرضِ فوقعوا نيامًا، وإنما فعل ذلك رسول الله ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس من حديث عبد الله بن أبيّ، ونزلت السورة التي ذكر الله فيها المنافقين في ابن أبيّ ومن كان على مثل أمره، فلما نزلت أَخَذَ رسولُ اللهِ بِأُذُنِ زَيْد بْنِ أرقم ثم قال: ((هذا الذي أوفى الله له بأذنه)). وفي آخر إحدى الروايات: فبعث إليَّ رسول الله فقرأها عليَّ ـ أي: الآيات من أول إِذَا جَاءكَ ?لْمُنَـ?فِقُونَ إلى لَيُخْرِجَنَّ ?لأعَزُّ مِنْهَا ?لأذَلَّ ثم قال: ((إن الله قد صدقك يا زيد)) رواه البخاري ومسلم.

وبلغ عبدَ الله بْنَ عبد الله بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ الذي كان من أمر أبيه، فأتى رسول الله فقال: يا رسول الله، إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبيّ فيما بلغك عنه، فإنْ كنتَ لا بدَّ فاعلاً فَمُرْنِي به فأنا أَحْمِلُ إليك رأسَهُ، فوالله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبرَّ بوالده مني، وإني أخشى أن تأمر غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبيّ يمشي في الناس فأقتله، فأقتل مؤمنًا بكافر فأدخل النار، فقال رسول الله: ((بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا)). وجعل بعد ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه ويأخذونه ويعنِّفونه، فقال رسول الله لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين بلغه ذلك من شأنهم: ((كيف ترى يا عمر؟ أما والله لو قتلته يوم قلت لي: اقتله لأرعدتْ له آنُفٌ لو أمرتُها اليوم تقتله لقتلته) قال عمر: قد علمت واللهِ لأمْرُ رسولِ اللهِ أعظمُ بركةً من أمري.

وذكر عكرمة وابن زيد وغيرهما أن الناس لما قفلوا راجعين إلى المدينة وقف عبد الله بن عبد الله بن أبيّ على باب المدينة واسْتَلَّ سيفَه، فجعل الناس يمرُّون عليه، فلما جاءه أبوه عبد الله بن أبيّ قال له ابنه: وراءك، فقال: ما لك؟ ويلك! فقال: والله، لا تَجُوز من ها هنا حتى يأذن لك رسول الله فإنه العزيز وأنت الذليل، فلما جاء رسول الله وكان إنما يسير في سَاقَةٍ الجيش ـ أي: في مؤخرته ـ ينظر المتخلفَ والضَّالَّ والمحتاجَ إلى مَعُونَةٍ، فشكا إليه عبدُ الله بنُ أبيٍّ ابْنَهُ، فقال ابنُه عبدُ الله: والله يا رسول الله لا يدخلها حتى تأذن له، فأذن له رسول الله فقال: أما إِذْ أَذِنَ لك رسولُ الله فَجُزِ الآنَ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير