تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

روى ابن إسحاق في السيرة ـ وأصل الخبر أورده البخاري في الصحيح ـ في حديثه عن غزوة بني المصطلق في ماء المريسيع سنة ستٍ من الهجرة، قال: فبينا رسول على ذلك الماء ـ أي: بعد الغزوة ـ وردت واردة الناس، ومع عمر بن الخطاب أجيرٌ له من بني غِفار، يقال له: جهجاه بن مسعود يقود فرسه، فازدحم جهجاه وسنان بن وبر الجهني حليف بني عوف بن الخزرج على الماء، فاقتتلا، فصرخ الجهني: يا معشر الأنصار، وصرخ جهجاه: يا معشر المهاجرين، فغضب عبد الله بن أبي بن سلول، وعنده رهط من قومه، فيهم زيد بن أرقم غلام حدَث، فقال: أوَقد فعلوها؟ قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا، والله ما أعُدُّنا وجلابيب قريش إلا كما قال الأول: سمن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذل، ثم أقبل على من حضره من قومه، فقال لهم: هذا ما فعلتم بأنفسكم؛ أحللتموهم بلادكم، وقاسمتوهم أموالكم، وأما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم، فسمع ذلك زيد بن أرقم، فمشى به إلى رسول الله، وذلك عند فراغ رسول الله من عدوه، فأخبره الخبر، وعنده عمر بن الخطاب؛ فقال: مُر به عباد بن بشر فليقتله، فقال له رسول الله: ((فكيف ـ يا عمر ـ إذا تحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه؟! لا ولكن أذِّن بالرحيل))، وذلك في ساعة لم يكن رسول الله يرتحل فيها، فارتحل الناس.

وقد مشى عبد الله بن أبي بن سلول إلى رسول الله حين بلغه أن زيد بن أرقم قد بلَّغه ما سمع منه، فحلف بالله: ما قلت ما قال، ولا تكلمت به، وكان ابن أبي في قومه شريفًا عظيمًا، فقال من حضر رسول الله من الأنصار من أصحابه: يا رسول الله، عسى أن يكون الغلام قد أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قال الرجل، حدبًا على ابن أبيّ بن سلول ودفعًا عنه.

قال ابن إسحاق: فلما استقل رسول الله وسار لقيه أُسيد بن حضير من الأنصار، فحيّاه بتحية النبوة وسلّم عليه، ثم قال: يا نبي الله، والله لقد رُحتَ في ساعة مبكرة ما كنت تروح في مثلها، فقال رسول الله: ((أوما بلغك ما قال صاحبكم؟)) قال: وأي صاحب يا رسول الله؟ قال: ((عبد الله بن أبيّ) قال: وما قال؟ قال: ((زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) قال: فأنت يا رسول الله والله تخرجه منها إن شئت، هو والله الذليل وأنت العزيز، ثم قال: يا رسول الله، ارفق به، فوالله لقد جاءنا الله بك، وإنّ قومه لينظمون له الخرز ليُتوجوه، فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكه. انتهى كلام ابن إسحاق رحمه الله.

كل إناءٍ بما فيه ينضح، تمكّن داء العظمة من زعيم المنافقين، فلم يتمالك كتمان ما كان يخفيه ويكنه من بغضٍ للإسلام ورسوله وأهله، فقذف لسانُه حِممًا كانت تعتلج في صدره طالما أخفاها، لكنه أخطأ التقدير، وظن أتباعه الأقلية النفعيين يغنون عنه شيئًا، فإذا به يفاجأ بانخناس صحبه وانقلاب المجتمع ضده، حتى إن ابنه عبد الله بن عبد الله بن أبيّ بن سلول حين علم بمقولة أبيه سارع إلى رسول قائلاً: يا رسول الله، إنه بلغني أنك تريد قتل أبي فيما بلغك عنه، فإن كنت فاعلاً فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه. يقول الابن رضي الله عنه هذا الكلام وهو المعروف بشدة بِرِّه بأبيه واحترامه البالغ له، لكن دين الله مقدم على الأب والأم والعشيرة وكل شيء.

الخطبة الثانية

الحمد لله العزيز المنان، القوي العظيم الشان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يعلم ما يكون وما كان، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المبعوث إلى الإنس والجان، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: شاهد آخر على تخبط المنافقين وحمقهم وخلطهم في تقييم وقياس ما لدى الصف المسلم من القوة: ما وقع في غزوة تبوك والرسول أيضًا لا زال حيًا، ونزول القرآن كذلك لم ينقطع، فقد ابتنى المنافقون مسجدًا بالمدينة قبيل غزوة تبوك ليجتمعوا فيه؛ مكايدَة للمسلمين ومضرَّةً بهم، وزعموا أنهم بنوه للمنفعة والتوسعة على المسلمين، وقد أرادوا أن يفرقوا اجتماع المؤمنين في مسجد الرسول بالمدينة بصرف بعضهم للصلاة فيه، وليتسنى لهم نفث سمومهم ومحاولة استمالة غيرهم إلى صفهم، وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [التوبة: 107] أي: إعدادًا وإعانة للمحاربين الله ورسوله ممن شرقوا بهذا الدين الإسلامي ورفضوا الدخول فيه كبرًا وشقاءً،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير