تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كان يزيد غائبًا حين حضر معاوية الموت، فلما حضر يزيد كان قد دفن، فقصد يزيد باب الصغير حيث دفن أبوه، وهناك صلى على أبيه ومن خلفه المسلمون، فكبر أربعًا ()، ولما خرج من المقبرة أتى بمراكب الخلافة فركب، ثم دخل البلد، وأمر فنودي في الناس أن الصلاة جامعة، ودخل الخضراء- وهو قصر بناه معاوية - فاغتسل ولبس ثيابًا حسنة، ثم خرج فخطب الناس أول خطبة خطبها وهو أمير المؤمنين، فقال - بعد أن حمد الله وأثنى عليه-: أيها الناس، إن معاوية عبد من عبيد الله، أنعم الله عليه، ثم قبضه إليه، وهو خير ممن بعده، ودون من قبله، ولا أزكيه على الله - عز وجل - فإنه أعلم به، إن عفا عنه فبرحمته، وإن عاقبه فبذنبه، وقد وليت الأمر من بعده، ولست آسى على طلب، ولا أعتذر من تفريط، وإذا أراد الله شيئًا كان .. وقال لهم في خطبته هذه: إن معاوية كان يغزيكم في البحر، وإني لست حاملاً أحدًا من المسلمين في البحر، وإن معاوية كان يشتيكم بأرض الروم، ولست مشتيًا أحدًا بأرض الروم، وإن معاوية كان يخرج لكم العطاء أثلاثًا، وأنا أجمعه لكم كله .. فافترق الناس، وهم لا يفضلون عليه أحدًا ().

وفي هذه الخطبة شرح يزيد سياسته في قيادة الأمة، ووضح خطته التي سيلتزمها أثناء خلافته، وهي سياسة استطاع أن يكسب بها قلوب أهل الشام. وقد أجمعت غالبية الأمة على بيعة يزيد، أو بمعنى آخر جددت له البيعة بعد وفاة أبيه، ولم يعارض إلا الحسين بن على وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما (). وسيكون لكل منهما مع يزيد شأن- كما سنرى بإذن الله تعالى-، أما بقية الصحابة فقد بايعوا يزيد جمعًا للكلمة وحفظًا لوحدة الأمة وخوف الفتنة، مثل عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، ومحمد ابن الحنفية ()، أما أهل الشام والعراق وغيرهما من الأقاليم فقد بايعوا، وكانت المعارضة ليزيد في أهل الحجاز يتزعهما الحسين بن على وابن الزبير، ومما قيل من الشعر في بيعة يزيد ما قاله عبد الله بن همَّام يعزَّيه في أبيه:

اصبر يزيد فقد فارقت ذا مقة

واشكر حُباء الذي بالملك حاباكا ()

لا رُزءَ أعظم في الأقوام نعلمه

كما رُزِئت ولا عُقبي كعُقباكا

أصبحت راعي أهل الدَّين كلهم

فأنت ترعاهم والله يَرْعاكا

وفي معاوية الباقي لنا خلف

إذا نعيت ولا نسمع بمنعاكا

يعنى معاوية بن يزيد ()

تولى يزيد الأمر بعد أبيه في رجب سنة 60هـ - 680م فأقر عمال أبيه على ولاياتهم، فكان على المدينة الوليد بن عتبة بن أبى سفيان، وأمير مكة عمرو بن سعيد بن العاص، وأمير الكوفة النعمان بن بشير، وأمير البصرة عبد الله بن زياد ()، وركز يزيد في أخذ البيعة من النفر الذين لم يبايعوه في حياة أبيه، وكان أهمهم عنده الحسين بن على، فكتب إلى أميرها الوليد بن عتبة كتابًا يخبره فيه بوفاة معاوية، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، من يزيد أمير المؤمنين إلى الوليد ابن عتبة، أما بعد، فإن معاوية كان عبدًا من عباد الله، أكرمه الله واستخلفه، وخوّله ومكّن له، فعاش بقدر، ومات بأجل، فرحمه الله، فقد عاش محمودًا، ومات برًّا تقيًّا، والسلام () ونظرًا لتساهل الوليد بن عتبة بن أبى سفيان في أخذ البيعة من الحسين وابن الزبير لأنه كان رجلاً يحب العافية ()، وأنه كان رجلاً رفيقًا سريًا كريمًا ()، كما أنه كان يخشى عذاب الله وعقابه، فقد امتنع عن سجن الحسين أو قتله وقال: ... والله ما أحب أن لي ما طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا وملكها وأني قتلت حسينًا .. سبحان الله! أقتل حسينًا أن قال: لا أبايع؟ والله إني لا أظن أمرأ يحاسب بدم الحسين لخفيف الميزان عند الله يوم القيامة. فقال مروان: فإذا كان هذا رأيك فقد أصبت فيما صنعت ().

كان إصرار يزيد على طلب البيعة من الحسين وابن الزبير- رضي الله عنهما - هو الشرارة الأولى في الفتنة التي اندلعت بين المسلمين، فقد شعر كل منهما بأنه مطلوب، وأنه إذا لم يبايع فسيكون ضحية طيش يزيد، وأن سيوف أعوان الخليفة الجديد أصبحت مسلولة عليهما، فعادا إلى البيت الحرام، ولجآ إلى مكة المكرمة يطلبان فيها الأمان، ويحتميان بحمى الله فيها، ولئن أصاب يزيد حين أبقى عمال أبيه على الولايات، ليضمن استقرار الأمور فيها، فقد خانته عبقريته في إصراره على طلب البيعة من الحسين وابن الزبير، حيث كان إصراره هذا موحيًا بعدم تأمين الحياة لهما، وبأن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير