تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقتل يوم عاشوراء من سنة إحدى وستين بكربلاء كان لذلك وقع كبير على ابن الزبير، فالذي يخشاه ابن الزبير- وهو انفراد الأمويين به- قد حدث، ثم إن الرجل الذي كان يضفى مكانة ومنزلة على المعارضة قد قتل، ومع ذلك لم يحدث تحرك من الناس ضد الأمويين بسبب قتل الحسين ? ()، ولعل انفراده بالمعارضة ضد يزيد هو الذي جعل ابن خلدون يقول: ولم يبق في المخالفة لهذا العهد - الذي اتفق عليه الجمهور- إلا ابن الزبير، ونُدور المخالف معروف ()، وقد أحس ابن الزبير بخطورة موقفه، ولكنه حاول أن يستفيد من دوافع الكره والمقت التي تعتلج في نفوس الناس ضد الأمويين بسبب قتل الحسين ().

1 - أول هجوم مباشر وصريح من ابن الزبير على يزيد: عندما سمع ابن الزبير بمقتل الحسين ? قام خطيبًا في مكة وترحم على الحسين وذم قاتليه، وقال: أما والله لقد قتلوا طويلاً قيامه، وكثيرًا في النهار صيامه، أحق بما هم فيه منهم، وأولى بما هم فيه منهم، وأولى به في الدين والفضل، أما والله ما كان يبدّل بالقرآن الغناء، ولا البكاء من خشية الله الحداء، ولا بالصيام شراب الحرام، ولا بالمجالس في حلق الذكر الركض في طلب الصيد - يعرّض بيزيد - فسوف يلقون غيًا (). ونظرًا للمشاعر العاطفية التي أثرت على أهل الحجاز عمومًا بسبب قتل الحسين ? فقد أبدى البعض استعداده لبيعة ابن الزبير ()، ولاحظ ابن الزبير مشاعر السخط التي عمّت أهل الحجاز بسبب قتل الحسين ?، فأخذ يدعو إلى الشورى وينال من يزيد ويشتمه ()، ويذكر شربه للخمر، ويثبط الناس عنه، وأخذ الناس يجتمعون إليه فيقوم فيهم، فيذكر مساوئ بنى أمية ويطنب في ذلك ().

2 - مساعي يزيد السلمية: لم يحاول يزيد في بداية الأمر أن يعمل عملاً من شأنه أن يعقّد النزاع مع ابن الزبير، ولهذا فلقد أرسل إليه رسالة يذكّره فيها بفضائله ومآثره في الإسلام، ويحذره من الفتنة والسعي فيها، وكان مما قال له: أذكرك الله في نفسك فإنك ذو سن من قريش، وقد مضى لك سلف صالح، وقدم صدق من اجتهاد وعبادة، فاربب صالح ما مضى ولا تبطل ما قدمت من حسن، وادخل فيما دخل فيه الناس، ولا تردهم في فتنة، ولا تحل ما حرم الله. فأبى أن يبايع ().

3 - غضب يزيد على ابن الزبير: لم يستجب ابن الزبير لدعوة يزيد السلمية، ورفض بيعته، وأقسم يزيد على أنه لا يقبل بيعة ابن الزبير حتى يأتي إليه مغلولاً ()، ولقد حاول معاوية بن يزيد أن يثنى والده عن هذا القسم، وذلك لمعرفته بابن الزبير، وأنه سيرفض القدوم على يزيد وهو في الغل، وكان معاوية ابن يزيد صالحًا تقيًا ورعًا يجنح للسلم ويخشى من سفك دماء المسلمين، وساند معاوية في رأيه عبد الله بن جعفر، ولكن يزيد أصر على رأيه، وحتى يخفف يزيد من صعوبة الموقف على ابن الزبير، فقد بعث بعشرة من أشراف أهل الشام، وأعطاهم جامعة من فضة، وبرنس خز ()، وفي رواية أخرى: أن يزيد بعث لابن الزبير بسلسلة من فضة وقيد من ذهب، وجامعة من فضة ().وعند وصول أعضاء الوفد إلى مكة تكلم ابن عضاة الأشعري، وقال: يا أبا بكر، قد كان من أثرك في أمر الخليفة المظلوم -يعنى عثمان بن عفان - ونصرتك إياه يوم الدار ما لا يجهل، وقد غضب أمير المؤمنين بما كان من إبائك مما قدم عليك فيه النعمان ابن بشير، وحلف أن تأتيه في جامعة خفيفة لتحل يمينه، فالبس عليها برنسًا فلا ترى، ثم أنت الأثير عند أمير المؤمنين الذي لا يخالف في ولاية ولا مال ().

4 - ابن الزبير يفكر ويستشير في عرض يزيد: استأذن ابن الزبير الوفد بضعة أيام يفكر ويستشير، فعرض الأمر على والدته أسماء بنت أبى بكر رضي الله عنها، فقالت: يا بنى، عش كريمًا ومت كريمًا، ولا تمكن بنى أمية من نفسك، فتلعب بك، فالموت أحسن من هذا ().

وكان مروان بن الحكم قد بعث ابنه عبد العزيز وقال له: قل لابن الزبير: إن أبى أرسلني عناية بأمرك وحفظًا لحرمتك، فابرر يمين أمير المؤمنين، فإنما يجعل عليك جامعة من فضة أو ذهب وتكسى عليه برنسًا فلا تبدو إلا أن يسمع صوتها، فكتب ابن الزبير إلى مروان يشكره ()، وجاء رد ابن الزبير على الوفد بالمنع ().

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير