تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولكن عمرو بن الزبير اعتذر من عدم الكتابة ليزيد, وذلك لأنه جاء في مهمة محددة مطلوب منه تنفيذها, وكان عبد الله بن الزبير قد أرسل عبد الله بن صفوان الجمحى ومعه بعض الجند، وأخذوا أسفل مكة، وأحاطوا بأنيس بن عمرو الأسلمى، ولم يشعر بهم أنيس إلا وقد أحاطوا به، فقتل أنيس وانهزم أصحابه.

وفي الوقت الذي قتل فيه وانهزم جيش أنيس بن عمرو الأسلمى، كان مصعب بن عبد الرحمن بن عوف، يقود طائفة أخرى من الجند نحو عمرو بن الزبير، الذي كان معسكرًا في الأبطح، فانهزم عمرو بن الزبير، ودخل دار رجل يقال له علقمة، فجاءه أخوه عبيدة بن الزبير فأجاره، فأخذه إلى عبد الله، وذكر له أنه أجاره، فقال عبد الله: أما حقي فنعم، وأما حق الناس فلأقتصن منه لمن آذاه في المدينة ()، وأقام عبدُ الله عمرو بن الزبير ليقتص الناس منه، فكل من ادعى على عمرو بأنه فعل به كذا وكذا وكذا، قال له عبد الله بن الزبير: افعل به مثلما فعل بك. وتذكر المصادر أن عمرو بن الزبير تعرض لتعذيب شديد من جراء ذلك ومات تحت الضرب ().

لقد أثبت ابن الزبير ? أنه يملك ذكاء ودهاء بارزين، الأمر الذي مكّنه من تحويل القضية لصالحه، بعدما كانت في يد يزيد بن معاوية، وكان ابن الزبير في بداية معارضته يعتمد على أن البيعة التي تمت ليزيد بن معاوية لم تكن بموافقة الناس، ولا بد من مشاركة الناس، وكان يدعو إلى الشورى، ولم تحقق معارضة ابن الزبير أي نجاح يذكر، فخلال سنتين أو أكثر من معارضته ليزيد لم يحدث أي تغير بشأن هيمنة الدولة على الحجاز، فضلاً عن غيره من الأقطار، ولكن ابن الزبير يهدف من التحرش بالأمويين إلى إيقاع يزيد في مأزق المواجهة، لقد ارتكب يزيد خطأ فادحًا عندما أقسم أن يأتيه ابن الزبير إلى دمشق في جامعة، فكيف يعقل من صحابي جليل تجاوز الستين من عمره أن يرضخ لطلب يزيد بن معاوية، ولقد استطاع ابن الزبير أن يظهر يزيد أمام أهل الحجاز بأنه شخص متسلط ليس أهلاً لولاية المسلمين، وجعلت هذه الحادثة من ابن الزبير- في نظر الكثير من المتمردين - طالب حق يواجه خليفة يحمل الظلم في أحكامه والتعسف في قراراته، والذي مكّن ابن الزبير وأكسبه الكثير من التعاطف هو موقف أمير المدينة- عمرو بن سعيد - فكان هذا الأمير - كما تذكر الروايات - شديدًا على أهل المدينة معرضًا عن نصحهم متكبرًا عليهم ().

ثم ذلك الخطأ الكبير الذي وقع فيه عمرو بن الزبير، الذي تصفه الروايات أيضًا بأنه عظيم الكبر شديد العجب، ظلوم قد أساء السيرة وعسف الناس، وأخذ من عرفه بموالاه عبد الله والميل إليه، فضربهم بالسياط. ويقال: عمرو لا يُكلم، ومن يكلمه يندم (). ومن الأخطاء التي وقع فيها يزيد بن معاوية، عمرو ابن سعيد بن العاص والى المدينة - واستطاع ابن الزبير أن يوظفها لصالحه - غزو مكة بجيش، فمكة لها حرمتها وخصوصيتها في الجاهلية ثم جاء الإسلام فزادها مكانة وقداسة على مكانتها تلك التي كانت في الجاهلية، وقام عمرو بن سعيد يتحدى مشاعر المسلمين في المدينة حين رقى المنبر في أول يوم من ولايته على المدينة، فقال عن ابن الزبير: تعوَّذ بمكة، فوالله لنغزونه، ثم والله لئن دخل الكعبة لنحرقنها عليه، على رغم أنف من رغم (). ولما جهزّ الحملة التي سيوجهها لابن الزبير في مكة، نصحه بعض الصحابة وحذّروه وذكّروه بحرمة الكعبة وبحديث رسول الله × في بيان حرمتها، ولكنه رفض السماع لنصحهم ()، وكان مروان بن الحكم- وهو الأمير المحنك والسياسي الداهية - قد حذّر عمرو بن سعيد من غزو البيت وقال له: لا تغز مكة، واتق الله ولا تحل حرمة البيت، وخلوا ابن الزبير فقد كبر، هذا له بضع وستون سنة، وهو رجل لجوج، والله لئن لم تقتلوه ليموتن، فقال له عمرو: والله لنقاتلنّه، ولنغزونّه في جوف الكعبة على رغم أنف من رغم، فقال مروان: والله إن ذلك يسوؤني (). وكان عبد الله بن الزبير قد اختار لقبًا مؤثرًا حين أطلق على نفسه (العائذ بالله) فأصبح المساس بحرمة مكة أمرًا لا يوافق عليه الصحابة والتابعون، وكان لابد من الدفاع عن مكة، في وجه جيش يريد استحلال حرمتها، وحتى الذي لا يستطيع أن يدافع عن مكة فسوف يكون متعاطفًا مع ابن الزبير بصفته يدافع عن بيت الله ()، وتدافع الناس نحو ابن الزبير من نواحي الطائف يعاونونه ويدافعون عن الحرم ()، وهذه القضايا المعنوية

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير