تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والحسية كان لها الأثر البالغ في تعاظم مكانة ابن الزبير لدى أهل الحجاز؛ الأمر الذي جعله يحقق نصرًا ساحقًا وسهلاً على جيش عمرو بن الزبير ().

2 - حملة الحصين بن نمير وحصار ابن الزبير وحريق الكعبة:

هلك مسلم بن عقبة النميرى في طريقه لابن الزبير، وتولى القيادة من بعده الحصين بن نمير السكوني، ووصل إلى مكة قبل انقضاء شهر المحرم بأربع ليال. وعسكر الحصين بن نمير بالحجون () إلى بئر ميمون ()، وبذلك فقد عمل الحصين بن نمير على نشر جيشه على مسافة واسعة؛ والذي دفعه إلى ذلك طبيعة الحرب التي ستدور في مكة، وقام ابن الزبير يحث الناس على قتال جيش أهل الشام، وانضم المنهزمون من معركة الحرّة إلى ابن الزبير، وقدم على ابن الزبير أيضًا نجدة بن عامر الحنفي في ناس من الخوارج، وذلك لمنع البيت من أهل الشام ()، وكان عدد المقاتلين الذين اشتركوا مع ابن الزبير أقل بكثير من المقاتلين الذين اشتركوا في معركة الحرّة، ولم تكن القوات متكافئة، وتحول الوضع لصالح الحصين بن نمير، بعد أن منى ابن الزبير بفقد خيرة أصحابه، مثل أخويه المنذر وأبى بكر ابني الزبير، ومصعب ابن عبد الرحمن، وحذافة بن عبد الرحمن بن العوام، وعمرو بن عروة بن الزبير ()، وبعد ثلاثة أيام من ربيع الأول سنة 64هـ قام الحصين بن نمير بنصب المنجنيق على جبل أبى قبيس ()، وجبل قعيقعان () وفقد ابن الزبير أهم مستشاريه ومناصريه، وهو المسور بن مخرمة بعد أن أصابه بعض أحجار المنجنيق، وانكشفت مواقع ابن الزبير أمام الحصين بن نمير، ولم يبق مأمن لابن الزبير من أحجار المنجنيق سوى الحجر ()، وحوصر ابن الزبير حصارًا شديدًا ولم يعد يملك إلا المسجد الحرام فقط، بعد أن فقد مواقعه المتقدمة في الأبطح ()، وفي أثناء احتدام المعارك بين ابن الزبير والحصين بن نمير احترقت الكعبة، وهذه مصيبة أضيفت إلى مصائب المسلمين التي نتجت عن استحلال القتال في البلد الحرام الذي حرم الله ورسوله × القتال فيه ()، وكان يزيد ابن معاوية قد مات في منتصف شهر ربيع الأول ()، ولم يعلم أحد بموته نظرًا لبعد المسافة بين مكة ودمشق، وقد جاء الخبر بموت يزيد إلى مكة لهلال شهر ربيع الآخر سنة أربع وستين ().

ولم تكن الكعبة مقصودة في ذاتها بالإحراق، والدليل على ذلك ما أحدثه حريق الكعبة من ذهول وخوف من الله في كلتا الطائفتين (): جيش الحصين بن نمير، وجيش ابن الزبير، فقد نادى رجل من أهل الشام بعد أن احترقت الكعبة وقال: هلك الفريقان والذي نفس محمد بيده ()، وأما أصحاب ابن الزبير، فقد خرجوا كلهم في جنازة امرأة ماتت في صبيحة ليلة الحريق خوفًا من أن ينزل العذاب بهم، وأصبح ابن الزبير ساجدًا ويقول: اللهم إني لم أتعمد ما جرى فلا تهلك عبادك بذنبي، وهذه ناصيتي بين يديك (). وأهل الشام بالرغم من جهل بعضهم بابن الزبير ومكانته ()، إلا أنه من المستحيل أن يجهل أحد منهم مكانة الكعبة وأهميتها، كيف وهم يتجهون إليها في صلاتهم عندما كانوا يحاصرون ابن الزبير، فمن المستحيل أن يعمد أحدهم إلى حرق الكعبة، أو كان ذلك يدور في تفكير الحصين بن نمير، وقد وردت تصريحات لبعض أقارب ابن الزبير وبعض السلف والعلماء المحققين بأنهم لم ينسبوا إلى أحد من الطائفتين قصد حريق الكعبة، فهذا هشام بن عروة يقول: ... فقاتلوا ابن الزبير واحترقت الكعبة أيام ذلك الحصار ()، وقال ابن عبد البر: وفي هذا الحصار احترقت الكعبة ()، وقال ابن حجر: ثم سارت الجيوش إلى مكة لقتال ابن الزبير، فحاصروه بمكة وأحرقت الكعبة (). ولا شك أن أحدًا من أهل الشام لم يقصد إهانة الكعبة، بل كل المسلمين معظمون لها، وإنما كان مقصودهم حصار ابن الزبير, والضرب بالمنجنيق كان لابن الزبير لا للكعبة ويزيد لم يهدم الكعبة, ولم يقصد إحراقها لا هو ولا نوابه باتفاق المسلمين (). وهكذا كانت إحدى نتائج تلك الحرب التي دارت بين ابن الزبير والحصين بن نمير إحراق البيت الحرام ().

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير