تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بايعت ابن الزبير.

موقف الخوارج من بيعة ابن الزبير

تحالف الخوارج مع ابن الزبير في الدفاع عن مكة حتى وفاة يزيد, فلما زال الخطر, دخل عليه قادتهم فأرادوا معرفة رأيه في عثمان بن عفان ?, فأجابهم فيه بما يسوءهم, وذكر لهم ما كان متصفًا به من الإيمان والتصديق, والعدل والإحسان والسيرة الحسنة والرجوع إلى الحق إذا تبين له, فعند ذلك نفروا منه وفارقوه وقصدوا بلاد العراق وخراسان, فتفرقوا فيها بأبدانهم وأديانهم ومذاهبهم ومسالكهم المختلفة المنتشرة التي لا تنضبط ولا تنحصر؛ لأنها مفرعة على الجهل وقوة النفوس والاعتقاد الفاسد, ومع هذا استحوذوا على كثير من البلدان () , وتصدي لقتالهم الفارس الهمام, البطل الكبير, المهلب بن أبي صفرة, فقد كتب ابن الزبير له بأن يتولى حربهم فاستجاب لذلك, وكان على رأس الخوارج الأزارقة نافع بن الأزرق, واستطاع المهلب أن يهزمهم وقتل أميرهم نافع بن الأزرق, وانهزمت الخوارج نحو فارس () , وتسربت شائعات إلى أهل البصرة بأن المهلب قتل, فاضطرب المصر وهمّ أميرهم الحارث بن أبي ربيعة أن يهرب, وأقبل البشير إلى أهل البصرة بسلامة المهلب, فاستبشروا بذلك واطمأنوا, وأقام أميرها بعد أن هم بالهرب, وبلغ عبد الله بن الزبير ما كان من عزم عامله بالبصرة على الهرب, فعزله وولى أخاه مصعبًا, فسار مصعب حتى قدمها وتولى أمر جميع العراقين وفارس والأهواز, ومما قيل من الأشعار في قتال المهلب للخوارج الأزارقة:

إن ربًا أنجى المهلَّب ذا الطول

لأهلٌ أن تحمدوه كثيرًا

لا يزال المهلب بن أبي صفرة

ما عاش بالعراق أميرًا ()

وقال رجل من الخوارج في قتل نافع بن الأزرق:

إن مات غير مداهن في دينه

ومتى يمر بذكر نار يصعق

والموت أمر لا محالة واقع

من لا يصبحه نهارًا يطرق

فلئن منينا بالمهلب إنه

لأخو الحروب وليث أهل المشرق ()

* * *

المبحث الثاني

خروج مروان بن الحكم على ابن الزبير

أولاً: اسمه ونسبه وحياته قبل خروجه على ابن الزبير:

هو مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف, الملك أبو عبد الملك القرشي الأموي () , يكنى أبا القاسم وأبا الحكم, ولد بمكة, وهو أصغر من ابن الزبير بأربعة أشهر, وروى عن عمر وعثمان وعلي وزيد وروى عنه سهل بن سعد, وسعيد بن المسيب, وعلي بن الحسين, وعروة, وأبو بكر بن عبد الرحمن, وعبيد الله بن عمر, ومجاهد بن جبر, وابنه عبد الملك, وكان كاتب ابن عمه عثمان ودافع عنه يوم الدار, وسأل عنه علي بن أبي طالب يوم الجمل وقال: يعطفني عليه رحم ماسة, وهو مع ذلك سيد من شباب قريش () , وكان يتتبع قضاء عمر () , وتولى ولاية المدينة في عهد معاوية, وكان الحسن والحسين يصليان خلف مروان ولا يعيدان () , وكان إذا وقعت معضلة -أثناء ولايته على المدينة- جمع من عنده من الصحابة فاستشارهم فيها, وهو الذي جمع الصيعان فأخذ بأعدلها, فنسب إليه فقيل صاع مروان () , وكان ذا شهامة وشجاعة ومكر ودهاء () , وقد ذكرت شيئًا من سيرته في كتابي عن عثمان بن عفان ?, وكان شديد الحب لبني أمية, وكان متحمسًا لبيعة يزيد بن معاوية, ولما توفى يزيد خرج مروان وبنو أمية من المدينة إلى الشام بصحبة الجيش الأموي الراجع من حصار مكة الأول, وكان خروج بني أمية برغبتهم () , ولم يبايع مروان ابن الزبير, والتف زعماء القبائل وبنو أمية الموجودون بالشام حوله وبايعوه, وكان يحمل بين جنبيه طموحاته للزعامة, وكانت هذه الطموحات مع رغبته في بقاء الخلافة في البيت الأموي هي الدافع لخروجه على ابن الزبير, وخير دليل على ذلك إقدامه على مبايعة ابنيه من بعده -عبد الملك, وعبد العزيز- بولاية العهد () , وهناك روايات تذكر أن مروان بن الحكم كان قد عزم على مبايعة ابن الزبير لولا أن تدخل عبيد الله بن زياد وغيره في آخر لحظة وأثنوه عن عزمه وأقنعوه أن يدعو لنفسه () , وإن كنا لا نستبعد أن يكون مروان قد فكر في ذلك الأمر لاسيما بعد انتشار بيعة ابن الزبير في معظم الأقاليم مع تفرق كلمة بني أمية في بلاد الشام, وضعف موقفهم فإننا لا نعتبر ذلك مناقضًا لما ذهبنا إليه, لأن العبرة ليست فيما عزم عليه مروان بن الحكم, وإنما في الموقف الذي اتخذه, وهو رفض بيعته لابن الزبير ومحاربته () والخروج عليه, ولقد سار مروان في محاربته لابن الزبير على الخطوات التالية:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير