الحكم وبالصغير خالد بن يزيد بن معاوية- فاجتمع رأي الناس على البيعة لمروان ومن بعده لخالد بن يزيد, ثم لعمرو بن سعيد بن العاص بعد خالد () , فكانت تلك المعادلة هي التي جمعت بين مختلف الآراء وأرضت جميع الاتجاهات () , وقد دارت نقاشات كثيرة, وكان العديد من زعماء القبائل وقادة بني أمية قد حضروا, ومن هؤلاء الزعماء, حسان بن مالك بن بحدل الكلبي والحصين بن نمير السكوني, وروح بن زنباع الجذامي () , ومالك بن هبيرة السكوني, وعبد الله بن مسعدة الفزاري, وعبد الله بن عضاة الأشعري, وغيرهم من الشخصيات المؤثرة () والمعارضة لابن الزبير, وقد قلبت آراء عديدة وكثيرة حتى استقر الرأي على مروان () , ولم يمتنع مروان عن تقديم امتيازات لقبائل كلب وكندة لكي يستميلهم, وكانت له اتفاقات سرية وخاصة مع بعض الزعماء مما كان له الأثر الكبير في كسب المؤيدين له, فمروان خطط واستطاع بشتى الطرق الوصول إلى الحكم في بلاد الشام رغم الظروف الصعبة آنذاك ().
ب- أهم قرارات مؤتمر الجابية:
كانت أهم قرارات مؤتمر الجابية، عدم مبايعة ابن الزبير, واستبعاد خالد بن يزيد من الخلافة لأنه غلام والعرب لا تحب مبايعة الأطفال من ناحية, ومن الناحية الأخرى هم الآن في أزمة, وهم أحوج إلى الرجل المجرب الخبير علّه يقودهم إلى النصر وينقذهم من وضعهم المتدهور, ومبايعة مروان بن الحكم وهو الشيخ المحنك, وأن يتولى الخلافة بعد مروان على هذا الشرط شفويًا, والاستعداد لمجابهة وقتال المخالفين أتباع ابن الزبير في الشام بادئ الأمر ().
ج- زعامة مروان لمعارضي أهل الشام قامت على الشورى:
قامت زعامة مروان لمعارضي ابن الزبير على أساس الشورى, إذ انتخب بالاختيار الحر من الذين شهدوا المؤتمر وهم أهل الحل والعقد والشوكة والقوة في الشام, وبويع بإجماع الحاضرين, فكانت طريقة توليته, شورية دستورية اتخذتها المعارضة لتقوية صفها, وبذلك صار في العالم الإسلامي -إذ ذاك- خليفتان: عبد الله بن الزبير الخليفة الشرعي والمنتخب من قبل الأغلبية الساحقة للأمة, ومروان بن الحكم الزعيم المعارض لابن الزبير والمنتخب من أهل الشوكة والقوة في عاصمة الخلافة, ولما كان لابد من توحيد الدولة الإسلامية فقد كان على أحدهما أن يتغلب على الآخر ويتم التوحيد ويجمع كلمة الأمة, فكانت الحروب والمعارك الطاحنة فيما بعد حتى استقر الأمر لعبد الملك بن مروان بعد مقتل الخليفة الشرعي عبد الله بن الزبير ?, ويبدو أن أهل الشام الذين عارضوا ابن الزبير واجتمعوا بالجابية قد ذهبوا إلى أن بيعة أهل الشوكة والقوة من عاصمة الخلافة ملزمة لبقية الأقطار والأمصار كلها, وعلى الآخرين أن يسلموا لمن بايعوه لئلا ينتشر الأمر باختلاف الآراء وتباين الأهواء () , وقد نسب ابن حزم هذا الرأي لأهل الشام قائلاً: كانوا قد ادعوا ذلك لأنفسهم حتى حملهم ذلك على بيعة مروان وابنه عبد الملك واستحلوا بذلك دماء
أهل الإسلام ().
والصحيح بالنسبة لعهد ابن الزبير هو الأخذ بمبدأ الأكثرية أو الأغلبية, وإن كانت حجية إقرار بيعة أهل عاصمة الخلافة أخذ بها في بيعة الصديق والفاروق وذي النورين والحسن بن علي, إلا أن الأمور قد تغيرت كثيرًا, فالأخذ بمبدأ الأكثرية للترجيح في تنازع قد قرره الإمام الغزالي حيث قال: يتم الترجيح بينهم بتقديم من انعقدت له البيعة من الأكثر, والمخالف للأكثر باغٍ يجب رده إلى الانقياد إلى الحق (). وذلك هو الرأي الذي نؤيده, لأن حسم النزاع بترجيح أكثرهم حوزًا لرضا المسلمين هو ما يقضي به مبدأ حق الأمة الإسلامية في اختيار الخليفة () , فضلاً عن الأدلة الشرعية المؤكدة لترجيح رأي الأكثرية أو الأغلبية, نذكر منها: أن الرسول × قد أخذ بما انعقد عليه رأي أغلبية المسلمين وإن بدا مخالفًا لرأيه, وذلك حيث علم بتحريك قوات المشركين في اتجاه المدينة لحربهم, فاستشار المسلمين, فرأى فريق منهم -وكان أكثرهم- الخروج إليهم, وفريق آخر رأى ما رآه الرسول نفسه وهو أن يظلوا بالمدينة, فلما رأى الرسول أن رأي الأغلبية مع الخروج أخذ برأيهم ووافق على الخروج للمشركين في أحد () , وغير ذلك من الأدلة .. وقد أخذ مشروع الدستور الإسلامي الذي أعده مجمع البحوث الإسلامية والأزهر بفكرة الإلزام برأي الأغلبية, حيث نصت المادة (46) منه على أن تكون البيعة بالأغلبية المطلوبة
¥