تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والملاحظ أن مروان بن الحكم نقض بعض مقررات مؤتمر الجابية المتعلقة بولاية العهد ولم يلتزم بعهوده, وكان راغبًا في حصر الخلافة في أبنائه, فآثر إسقاط وعوده ونقضها على المحافظة على طموحاته ورغباته, وأوجد معادلة فيها مطامع ومصالح مشتركة مع المعارضين له, مما جعلهم يستجيبون لدعوته إلى تولية أبنائه ولاية العهد من بعده, فقد عمل على التحرش بخالد بن يزيد وتعمد إهانته أمام الآخرين, بغية تحجيمه وإعطاء صورة للناس بعدم صلاحيته للخلافة, ثم خطا الخطوة التالية فأخذ البيعة لولديه عبد الملك وعبد العزيز في بداية سنة 65هـ () , لقد استطاع مروان -بدهائه ومكره وجهوده المتوالية- الخروج بأزمة الحكم الأموي من حالة الضياع إلى مركز الصدارة والقيادة, وهذا لم يكن حدثًا عاديًا محدود التأثير, وإنما هو عودة جديدة للحكم بعد تثبيته في الشام ومصر من جهة, وتجريد السفيانيين من الخلافة وتحويلها إلى المروانيين من جهة ثانية, ولم يكن ثمة ما يحول دون استمرار التقدم عند ابنه عبد الملك لنزع الخلافة من الخليفة الشرعي عبد الله بن الزبير, ثم يتفرغ للقيام بالعديد من الإصلاحات التي جعلته المؤسس والمجدد الحقيقي لمؤسسات الدولة الأموية, وتعميق الحكم العضوض بها, مع وجود بعض الحسنات التي لا تنكر للملك الأموي الجديد.

توفى مروان بن الحكم بدمشق لثلاث خلون من شهر رمضان سنة 65هـ وهو ابن ثلاث وستين سنة, وصلى عليه ابنه عبد الملك, وكانت مدة حكمه تسعة أشهر وثمانية عشر يومًا, ودفن بين باب الجابية وباب الصغير () , وكان آخر ما تكلم به مروان: وجبت الجنة لمن خاف النار. وكان نقش خاتمه:

العزة لله, وفي رواية: آمنت بالله العزيز الرحيم () , وقد اختلف في سبب وفاته؛ إذ وردت ثلاث روايات فيها: الأولى ترى أنه توفى بالطاعون () , وتذهب الأخرى إلى أن زوجته أم خالد بن يزيد سقته سمًا فمات أو وضعت وسادته على رأسه حتى مات () , وثالثة ترى أنه توفى وفاة طبيعية () , إن تناقض الروايات يدل على أن الحقيقة غير معروفة, وأما الرواية التي تتهم زوجته بالقتل فتبدو كأنها أسطورة مختلقة رددتها الألسن, إما حبًا في الثرثرة, وإما طعنًا في الأسرة الأموية, وهذه الرواية غير مقبولة للأسباب الآتية:

1 - أنه لم يعرف عن نساء العرب مثل هذا الفعل, فضلاً عن كونها سيدة حرة شريفة تلتقي وإياه في عبد شمس.

2 - مكانة مروان بن الحكم من قومه وتوليته الخلافة يجعل من الصعوبة بمكان الإقدام على مثل هذا الفعل له؛ وذلك للنتائج المترتبة عليه فيما بعد.

3 - لم يظهر أي أثر لهذا الاغتيال في الأسرة الأموية, خاصة بين

خالد بن يزيد وعبد الملك بن مروان, مما يدل على أن هذه الرواية غير صحيحة.

أما الرواية التي تشير إلى موته الطبيعي وإصابته بالطاعون فإنها محتملة؛ لأنه كان قد تجاوز الستين من العمر () , فضلاً عن الجهد الذي بذله في أواخر أيامه, مما يدعم التعويل على موته الطبيعي ().

...

المبحث الثالث

عبد الملك بن مروان وصراعه مع ابن الزبير

أولاً: اسمه ونسبه وكنيته وشيء من حياته:

1 - اسمه ونسبه وكنيته:

هو عبد الملك بن الحكم بن أبي العاص بن أمية, أبو الوليد الأموي, وأمه عائشة بنت معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية ().

2 - مولده ووصفه:

كان مولده ومولد يزيد بن معاوية في سنة ست وعشرين, وقد كان عبد الملك قبل الخلافة من العباد الزهاد الفقهاء, الملازمين للمسجد, التالين للقرآن, وكان ربعة من الرجال أقرب إلى القصر, وكانت أسنانه مشبكة بالذهب, وكان أفْوَه مفتوح الفم, فربما غفل فينفتح فمه فيدخل فيه الذباب, فلهذا كان يقال له: أبو الذِّبان, وكان أبيض ربعة ليس بالنحيف ولا البادن, مقرون الحاجبين, أشهل () كبير العينين, دقيق الأنف, مشرق الوجه, أبيض الرأس واللحية, حسن الوجه لم يخضب, ويقال: أنه خضب بعد ذلك ().

3 - طلبه للعلم وعبادته قبل الإمارة وثناء الناس عليه:

قال نافع: لقد رأيت المدينة ما فيها شاب أشدُّ تشميرًا, ولا أفقه ولا أقرأ لكتاب الله من عبد الملك بن مروان (). وقال الأعمش عن أبي الزناد: كان فقهاء المدينة أربعة: سعيد بن المسيب, وعروة, وقبيصة بن ذؤيب, وعبد الملك قبل أن يدخل الإمارة () , وعن ابن عمر أنه قال: ولد الناس أبناء وولد مروان أبًا -يعني

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير