عبد الملك () - ويقصد ابن عمر أن عبد الملك كان يفوق سنه, ويعلو فوق أقرانه () , وعن يحيى بن سعيد قال: أول من صلى ما بين الظهر والعصر عبد الملك بن مروان وفتيان معه. فقال سعيد بن المسيب: ليست العبادة بكثرة الصلاة والصيام, إنما العبادة التفكر في أمر الله, والورع عن محارم الله (). وقد صدق رحمه الله. وقال الشعبي: ما جالست أحدًا إلا وجدت لي الفضل عليه إلا عبد الملك بن مروان, فإنني ما ذاكرته حديثًا إلا زادني فيه, ولا شعرًا إلا زادني فيه ().
4 - تعظيمه لاسم الله تعالى:
روى البيهقي: أن عبد الملك وقع منه فلس في بئر قذرة فاكترى عليه
بثلاثة عشر دينارًا حتى أخرجه منها, فقيل له في ذلك, فقال: إنه كان عليه
اسم الله عز وجل ().
5 - التسبيح والتكبير في الأسفار:
روى ابن أبي الدنيا, أن عبد الملك كان يقول لمن يسايره في سفره إذا رفعت له شجرة: سبِّحوا بنا حتى نأتي تلك الشجرة, وكبِّروا بنا حتى نأتي ذاك الحجر, ونحو ذلك ().
6 - هل يصح هجره للقرآن الكريم؟
قيل: إنه لما وضع المصحف من حجره قال: هذا آخر العهد منك (). وهذه رواية ضعفها ابن كثير ورواها بصيغة التمريض «قيل» () , كما أن عبد الملك قال لمؤدب أولاده -وهو إسماعيل بن عبيد الله ابن أبي المهاجر-: علمهم الصدق كما تعلمهم القرآن ().
7 - ما آدب هذا الفتى وأحسن مروءته:
روى ابن سعد ما يدل على أن عبد الملك كان محبوبًا مرغوبًا من عمومته كبار بني أمية, فذكر أن معاوية بن أبي سفيان كان جالسًا يومًا ومعه عمرو بن العاص رضي الله عنهما, فمر بهما عبد الملك بن مروان فقال معاوية: ما آدب هذا الفتى وأحسن مروءته! فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين, إن هذا الفتى أخذ بخصال أربع وترك خصالاً ثلاثًا: أخذ بحسن الحديث إذا حدث, وحسن الاستماع إذا حُدِّث, وبحسن البشر إلى لقى, وخفة المؤونة إذا خولف, وترك من القول ما يعتذر عنه, وترك مخالطة اللئام من الناس, وترك ممازحة من لا يوثق بعقله ولا مروءته ().
8 - وصيته لمؤدب أولاده:
قال عبد الملك لمؤدب أولاده -وهو إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر-: علمهم الصدق كما تعلمهم القرآن, وجنبهم السَّفِلَة فإنهم أسوأ الناس رِعة () , وأقلهم أدبًا, وجنبهم الحشم, فإنهم بهم مفسدة, وأحف شعورهم تغلظ رقابهم, وأطعمهم اللحم يقووا, وعلمهم الشعر يمجُدُوا وينجُدُوا, ومرهم أن يستاكوا عَرضًا, ويمصوا الماء مصًّا ولا يعبُّوا عبًّا, وإذا احتجت أن تتناولهم بأدب فليكن ذلك في سر لا يعلم بهم أحد من الحاشية فيهونوا عليهم ().
9 - موقفه من ابن الزبير قبل الإمارة وبعدها:
كان له من ابن الزبير موقفان متناقضان: أما الأول: فكان قبل أن يتولى الخلافة, يستعيذ بالله أن يبعث خليفة إلى مكة جيشًا ليقتل ابن الزبير ومن معه, وكان يرى في ذلك إثمًا كبيرًا () , قال يحيى الغساني: لما نزل مسلم بن عقبة المدينة, دخلت مسجد رسول الله × فجلست إلى جنب عبد الملك فقال لي عبد الملك: أمن هذا الجيش أنت؟ فقلت: نعم, قال: ثكلتك أمك!! أتدري إلى من تسير؟ إلى أول مولود ولد في الإسلام (بعد الهجرة) وإلى ابن حواري رسول الله ×, وإلى ابن ذات النطاقين, وإلى من حنَّكه رسول الله ×, أما والله لو جئته نهارًا لوجدته صائمًا, ولئن جئته ليلاً لوجدته قائمًا, فلو أن أهل الأرض أطبقوا على قتله لأكبهم الله جميعًا في النار (). وأما موقفه الثاني فكان بعد الخلافة, ويأتي عكس الأول تمامًا, عندما جهز عبد الملك جيشًا يقوده الحجاج بن يوسف الثقفي, وبعث به إلى مكة حيث كان يتحصن ابن الزبير بالكعبة, وظل محاصرًا مكة حتى قُتل عبد الله ابن الزبير ().
ثانيًا: حياته السياسية قبل الإمارة:
كان أول حادث سياسي أثر في حياته عندما كان عمره عشر سنوات, فقد شهد مقتل عثمان ?, وكان لهذا الحادث أثر في سياسته لما تولى الإمارة, فقد خطب في إحدى خطبه: أيها الناس, إنا نحتمل لكم كل اللغوبة ما لم يكن عقد راية أو وثوبًا على منبر (). وأول منصب إداري تولاه في الدولة في عهد معاوية ابن أبي سفيان, فقد كان عاملاً على هجر () ثم تولى ديوان المدينة بعد وفاة زيد ابن ثابت () , وشارك في الجهاد, فقد خرج على رأس حملة إلى أرض الروم وشتى هناك في سنة 42هـ () , كما يذكر أنه غزا إفريقية مع معاوية بن حديج وكلفه بفتح جلولاء في بلاد الشمال الإفريقي, وفي عهد
¥