تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والحق أن الإنسان يقف مبهورًا أمام شجاعة التوابين وجرأتهم, فقد كان عددهم لا يتجاوز أربعة آلاف رجل, وخاضوا هذه المعركة بإيمان صادق, وعقيدة راسخة, وشجاعة نادرة, وصبر فائق, مع عشرين ألف جندي -على أقل تقدير- من أهل الشام, وأنزلوا بهم خسائر فادحة في الأرواح, وقتلوا منهم مقتلة عظيمة حتى خاضوا في الدماء, ولولا كثرة جيش الشام, حتى استطاعوا أن يلتفوا حولهم, ويضربوا عليهم طوقًا, وأحاطوا بهم من كل جانب, ثم رموهم بالنبل, لما استطاعوا الانتصار عليهم ().

ولكنا إزاء هذا الإعجاب بشجاعتهم, وإخلاصهم وتفانيهم في القتال, لا نملك إلا أن نتساءل: أين كانت هذه الشجاعة يوم تركوا الحسين ? يواجه الموت هو وأهل بيته, دون أن يتحرك منهم أحد؟! ().

وأما أهم أسباب فشل التوابين فهي:

1 - قلة عددهم إذا قورنوا بجيش الشام, فكان عدد التوابين أربعة آلاف مقاتل, بينما كان جيش خصومهم الذين اشتبكوا معهم عشرين ألفًا, عدا من كان ينتظر مع عبيد الله بن زياد على سبيل الاحتياط.

2 - ضعف التوابين من الناحية العسكرية, فلا نستطيع أن نقارن أي واحد من قادة التوابين بقدرة ابن زياد أو حصين بن نمير من حيث الخبرة والقدرة العسكرية, وهذا يتفق مع وصف المختار الثقفي لسليمان بن صرد: إن سليمان رجل لا علم له بالحرب وسياسة الرجال ().

3 - تخاذل التوابين عن الاشتراك, فعندما أحصى ابن صرد من بايعوا وجدهم ستة عشر ألفًا عدا أهل المدائن والبصرة الذين لم يتم تنسيقهم مع الآخرين, مع أن المشتركين في القتال هم أربعة آلاف.

4 - عدم اشتراك المختار الثقفي في القتال وليت الأمر كذلك, ولكنه كان يثبط الناس عن سليمان بن صرد ().

خامسًا: حركة المختار بن أبي عبيد الثقفي:

هو المختار بن أبي عبيد الثقفي الكذَّاب, كان والده الأمير أبو عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة الثقفي, أسلم في حياة النبي ×, ولم نعلم له صحبة, استعمله عمر بن الخطاب على جيشٍ, فغزا العراق, وإليه تنسب وقعة جسر أبي عبيد, ونشأ المختار, فكان من كبراء ثقيف, وذوي الرأي, والفصاحة, والشجاعة والدهاء وقلة الدين () , وقد قال النبي ×: «يكون في ثقيف كذاب ومبير» () , فكان الكذاب هذا, ادعى أن الوحي يأتيه, وأنه يعلم الغيب, وكان المبير الحجاج, قبحهما الله () , ظهر المختار بن أبي عبيد الثقفي على مسرح الأحداث بعد موت يزيد بن معاوية سنة 64هـ, وهو من الشخصيات التي حفل بها العصر الأموي, والتي كانت تسعى لها عن دور, وتسعى إلى السلطان بأي ثمن, فتقلب من العداء الشديد لآل البيت على ادعاء حبهم والمطالبة بثأر الحسين (). فقد مر بنا في كتابي عن الحسن بن علي بن أبي طالب أنه أشار على عمه سعد بن مسعود الثقفي بالقبض على الحسن بن علي وتسليمه إلى معاوية, لينال بذلك الحظوة عنده () , ثم حاول الاتصال بعبد الله ابن الزبير والانضمام إليه, وشرط عليه شروطًا, منها: أن يكون أول داخل عليه, وألا يقضي الأمور دونه, وإذا ظهر استعان به على أفضل أعماله () , وباختصار أراد أن تكون له كلمة في دولته, ولكنه لم يجد تجاوبًا من ابن الزبير, فانصرف عنه إلى الكوفة () , حيث كان الأمر فيها مضطربًا, فأراد أن يصطاد في المياه العكرة, ولم يجد فيها ورقة رابحة سوى الادعاء بالمطالبة بدم الحسين وآل البيت, وادعى أن لديه تفويضًا بذلك من محمد بن علي بن أبي طالب, الملقب بابن الحنفية, ولكنه لم يكن صادقًا في ذلك, بل قرر أن يركب تيار الشيعة ليصل إلى هدفه وهو الحكم والسلطان.

وقد عبر هو نفسه عن ذلك في حواره مع رجال من رجاله الذين أخلصوا له, وكانوا يظنونه صادقًا في دعوته للثأر لآل البيت, وهو السائب بن مالك الأشعري. فقد قال له المختار عندما ضيق عليه وصعب الخناق واقتربت نهايته: ماذا ترى؟ فقال له السائب: الرأي لك؟ قال: أنا أرى أم الله يرى؟ قال: الله يرى, قال: ويحك أحمق أنت! إنما أنا رجل من العرب رأيت ابن الزبير انتزى على الحجاز, ورأيت نجدة انتزى على اليمامة, ومروان على الشام, فلم أكن دون أحد من رجال العرب, فأخذت هذه البلاد, فكنت كأحدهم إلا أني قد طلبت وبالغت في ذلك إلى يومي هذا, فقاتل على حسبك إن لم تكن لك نية, فقال السائب: إنا لله وإنا إليه راجعون (). قال السائب ذلك لما تبين له أن المختار صنع كل ما صنع من أجل السلطان وحده, ولذلك يصف الذهبي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير