عبد الملك: أمكرًا يا أبا أمية عند الموت؟ لاها الله إذًا, ما كنا لنخرجك في جامعة على رءوس الناس ولما نخرجها منك إلا صعدًا (). ثم اجتذبه اجتذابة أصاب فمه السرير فكسر ثنيته, فقال عمرو: أُذكِّرك الله يا أمير المؤمنين أن يدعوك كسر عظيم إلى ما هو أعظم من ذلك. فقال عبد الملك: والله لو أعلم أنك إذا بقيت تفي لي وتصلح قريش لأطلقتك, ولكن ما اجتمع رجلان قط في بلد على ما نحن عليه إلا أخرج أحدهما صاحبه () , وجاء في رواية: أن عبد الملك كلف أخاه عبد العزيز بقتله, وخرج لصلاة العصر, ولما رجع من صلاته وجد أخاه لم يقتله, فلامه وسبه وسب أمه -ولم تكن أم عبد العزيز أم عبد الملك- فقال: إنه ناشدني الله والرحم -وكان ابن عمة عبد الملك بن مروان- ثم إن عبد الملك قال: يا غلام, ائتني بالحربة, فأتاه بها, فهزها وضربه بها فلم تغن شيئًا, ثم ثنى فلم تغن شيئًا, فضرب بيده إلى عضد عمرو فوجد مس الدرع فضحك وقال: ودارعٌ أيضًا, إن كنت لمعدًا, يا غلام, ائتني بالصمصامة, فأتاه بسيفه ثم أمر بعمرو فصُرع, فجلس على صدره فذبحه وهو يقول:
يا عمرو إن لم تدع شتمي ومنقصتي
أضربك حيث تقول الهامة اسقوني
وانتفض عبد الملك بعد ما ذبحه كما تنتفض القصبة برعدة شديدة جدًا, بحيث إنهم ما رفعوه عن صدره إلا محمولاً, فوضعوه على سريره وهو يقول: ما رأيت مثل هذا قط قبله, صاحب دنيا ولا طالب آخرة. ودفع الرأس إلى
عبد الرحمن بن أم الحكم, فخرج به للناس فألقاه بين أظهرهم, وخرج
عبد العزيز بن مروان ومعه البدرُ () من الأموال تحمل, فأُلقيت بين الناس فجعلوا يختطفونها, ويقال: إنها استرجعت بعد ذلك إلى بيت المال, ويقال: إن الذي ولى قتل عمرو بن سعيد مولى عبد الملك أبو الزُّعيزعة بعد ما خرج عبد الملك في الصلاة (). وهكذا تخلص عبد الملك من منافس قوي له, ولم يبال بنقض العهود, وسفك الدماء, فالطريق نحو الملك جعله يتخلص من ابن عمته عمرو بن سعيد, ومن أحب الأصدقاء إليه مصعب بن الزبير, ومن أفضل أهل الأرض في زمانه -على حد تعبيره- عبد الله بن الزبير.
سابعًا: مصالحة عبد الملك للروم والتضييق على الجراجمة:
نظرًا للاضطرابات الداخلية في دولة عبد الملك اضطر إلى مصالحة الروم على أن يدفع لهم 365ألف قطعة ذهبية, و 360 عبدًا و330 جوادًا أصيلاً سنويًا, وأن تقتسم الدولة البيزنطية والدولة الأموية خراج قبرص وأرمينيا () , وارتهن منهم رهائن وضعهم في بعلبك () في مقابل ذلك يسحب ملك الروم الجراجمة إلى وسط الإمبراطورية البيزنطية () , ولم يمتنع عبد الملك عن مصالحة الجراجمة في جبل اللكام, ووافق على أن يدفع لهم ألف دينار كل جمعة () , ولكن سرعان ما سنحت الفرصة لعبد الملك للتخلص من الجراجمة, فبعد أن عقد الصلح معهم أرسل أحد قادته الثقات -سحيم بن المهاجر- إلى القائد البيزنطي الذي كان على رأس الجراجمة, ونجح في كسب ثقته, ثم كاده بقوات دبرها لهذا الشأن, فقتل القائد البيزنطي وهرب أصحابه وأمن الباقين, فرجع العبيد إلى أسيادهم, والأنباط إلى قراهم () , كما أن الاتفاقية مع الدولة البيزنطية لم تدم طويلاً, لأن الروم نقضوا العهد, كما أن عبد الملك استطاع القضاء على ابن الزبير وتوحيد الدولة تحت زعامته؛ مما جعله يفكر بالرد على تحديات البيزنطيين المتكررة, فعين أخاه محمد بن مروان سنة 73هـ () , فشرع في غزوهم سنة 74 هـ ().
ـ[عاطف جميل الفلسطيني]ــــــــ[07 - 07 - 09, 04:10 م]ـ
ثامنًا: زفر بن الحارث الكلابي:
ظل القيسيون الموتورون في مرج راهط على ولائهم لابن الزبير, وكان أحد كبار زعمائهم -زفر بن الحارث الكلابي- قد فر إلى قرقيسيا, وتحصن بها, وثابت إليه قيس, وأصبح تجمعه هناك مركزًا لشن الغارات على كلب في المناطق المجاورة له, مما كان يسبب إحراجًا بالغًا لعبد الملك الذي كان يطمح إلى استعادة بقية بلدان العالم الإسلامي تحت سيادته وسلطانه, وكان في هذه الفترة يوجه كل جهوده لاستعادة العراق من سيطرة مصعب بن الزبير, وكان لابد لعبد الملك إذا أراد أن يضم إليه العراق, وينهي سيطرة الزبيريين عليه, من أن ينهي اعتصام زفر ابن الحارث في قرقيسيا, فسار إليه في جيشه الذي كان قد جهزه لحرب مصعب ابن الزبير, وبدأ بزفر أولاً فحاصره, ولكن رجال زفر أبدوا بطولة عجيبة, وانتزعوا إعجاب عبد الملك الذي قال: لا يبعد الله رجال
¥