تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

النقاط التالية ():

أ- الموقع: فمكة -كما هو معروف- من حيث الموقع بعيدة عن الشام والعراق, وهما الإقليمان اللذان شهدا أهم مراحل الصراع بين ابن الزبير وبني أمية, فهذا البعد لم يتح لابن الزبير الاطلاع ومتابعة ما يحدث من صراع بين الموالين له وخصومه, لاسيما مع ضعف إمكانات الاتصال, وبالتالي فإن ذلك لا يتيح لابن الزبير اتخاذ القرارات المناسبة إزاء ما يجري على الساحة بعكس خصومه الأمويين الذين كانوا يعيشون الأحداث مباشرة, ومن جانب آخر فإن مكة تقع في واد محصور بين عدة جبال شاهقة وهي أشبه ما تكون بالمصيدة لمن يعتصم بها حينما تحاصرها الجيوش من كل جانب, ويقطعون عنها الإمدادات, وكادت حركة ابن الزبير تخمد منذ وقت مبكر حينما حاصر الحصين بن نمير ابن الزبير داخل مكة سنة 64هـ لولا أن الله أنقذه بوفاة يزيد بن معاوية وانسحاب جيش الحصين إلى الشام.

ب- الناحية الاقتصادية: تعتمد مكة -بشكل خاص- والحجاز -بشكل عام- في مواردهما الاقتصادية على ما يأتيهما من خارجهما, خاصة من الشام ومصر, وانقطاع هذه الموارد يتسبب في إحداث مجاعة ترهق المقيمين فيهما, وقد أفاد بنو أمية من هذا العامل إفادة كبيرة في صراعهم مع ابن الزبير, فبعد سقوط مصر والشام في أيدي الأمويين انقطعت الإمدادات التي تصل إلى المدينة () , وبطبيعة الحال فإن مكة سينالها ما نال المدينة, كما لجأ الأمويون إلى هذا السلاح أيام الحصارين الأول والثاني ().

ج- الموارد البشرية: تبع قيام حركة الفتوح الإسلامية هجرة العديد من القبائل إلى الأقاليم المفتوحة, وتركزت معظم هذه القبائل في العراق, والشام, ومصر () , وقد ترتب على ذلك اختلال معادلة التوزيع السكاني لترجيح كفة هذين الإقليمين على الحجاز الذي عانى من نقص الكوادر البشرية, وهذا النقص في الواقع لم يتح لابن الزبير تكوين جيش قوي يكون مستعدًا في أية لحظة لمهاجمة الخصم, أو أقل تقدير لصد هجومه, ولذلك نجد أن ابن الزبير إزاء هذا الوضع يلجأ دائمًا إلى طلب الإمدادات من العراق, هو بذلك يربط تحركاته بما يكون عليه الوضع في هذا الإقليم من حيث استقراره, واستعداد واليه لإرسال المدد, وهذا مما يفوت على ابن الزبير الكثير من الفرص ().

2 - سياسة ابن الزبير الإدارية والمالية:

لئن وفق ابن الزبير في تعيين بعض ولاته فإن هذا التوفيق لم يكن حليفه في جميع الأحوال, ويبدو أن بقاء ابن الزبير في الحجاز وعدم خروجه إلى الأقاليم الإسلامية لم يتح له التعرف على أهل هذه الأقاليم, وطبائعهم واتجاهاتهم, وتكوين تصور عام عنهم يعينه على اختيار الولاة المناسبين, ولعل أبرز مثال على اضطراب سياسة ابن الزبير في هذا المجال هو العراق -بمصريه الكوفة والبصرة- ذلك الإقليم الذي كان يعج بالتيارات المختلفة -العقدية والقبلية- والذي يحتاج إلى نوعية خاصة من الولاة تحسن التعامل مع أهله, فلو نظرنا إلى ولاة ابن الزبير على إقليمي العراق وسيرتهم لوجدنا ما يدلل على ذلك, ومن ولاته على الكوفة عبد الله بن مطيع العدوي الذي لم يستطع أن يواجه المختار ابن أبي عبيد الثقفي, وهرب من أمامه وخلَّى بينه وبين الكوفة () , وبشكل عام لم يستطع ولاة ابن الزبير ضبط هذا الإقليم الحيوي والاستفادة من طاقات أهله في حرب الأمويين, فقد كان فيه الرجال والأموال, بل على العكس من ذلك, فقد كان هذا الإقليم سببًا مباشرًا في سقوط خلافة ابن الزبير, وذلك حينما تواطأ أهله مع الأمويين ضد مصعب بن الزبير, أما فيما يتعلق بصلة ابن الزبير بولاته, فيلاحظ أن ابن الزبير كان يخلي بين واليه والإقليم الذي حكمه, ويكل إليه إدارته والقيام بشئونه حتى في القتال ضد الخصوم, ولم يكن ابن الزبير يتدخل في ذلك, فالصلة بين ابن الزبير وبعض ولاته تكاد تكون مقطوعة مما ترتب عليه سقوط بعض الأقاليم في يد الأمويين, في الوقت الذي كان ابن الزبير يقيم في مكة, ولعل ما حدث لقرقيسيا يدل على ذلك, فقد كان زفر بن الحارث الكلابي واليًا على هذا الإقليم وكان يقاتل عبد الملك بن مروان عدة سنوات, وعاق تقدمه إلى العراق, ولما طال عليه الأمد ولم يقدم له ابن الزبير أي عون اضطر في النهاية إلى التسليم لعبد الملك بن مروان بعد أن أقنعه ابنه الهذيل بن زفر بأن عبد الملك بن مروان خير له من ابن الزبير ().

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير