تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عيبه إلا بعد كسره، فما الحكم؟ هذه المسألة لها صورتان: الصورة الأولى: أن يمكن أن ينتفع به بعد الكسر. الصورة الثانية: أن يكون المبيع فاسداً، بحيث لو كسره المشتري أو فكه أو فتحه لا ينتفع به بحال، إذا تبين أنه فاسد. فمثال الأول: جوز الهند، فإنه إذا فتح يمكن أن ينتفع به بعد فتحه ولو كان ما بداخله معيباً. ومثال الثاني: بيض الدجاج ونحوه، فإنه إذا كان فاسداً وكسر فإنه لا ينتفع به بعد الكسر. فإن كان الشيء المعيب أو الشيء المبيع الذي فيه عيب يمكن أن ينتفع به بعد كسره، فحينئذٍ يكون البائع قد باع شيئاً فيه فساد، ولا يمكن أن ينتفع به أو ينتفع به على وجه النقص، إلا أن له حقاً في هذا الشيء؛ لأنه لا زالت فيه منفعة، فيجب على المشتري أن يرد ذلك الشيء وأن يضمن قيمة الكسر، فإذا قال: لا أريد بيض النعام، أو جوز الهند، فنقول له: رده ورد أرش الكسر، والدليل على ذلك: أن المشتري أخذ هذه الصفقة -أعني: جوز الهند وبيض النعام- وهي على صورة مغلفة كاملة القفل، فاعتدت يده بكسرها، فلما انكشف له الحال، قال: لا أرغب، فنضمّنه ما فعلته يده. والدليل على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الشاة الْمُصَرّاة: (وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر) فالصاع هو ضمان ذلك الشيء الذي استهلكه المشتري، واعتدت يده عليه بالأخذ، فإذا اعتدت يد المشتري على السلعة بالتصرف بفتح المقفل وكسر البيض ونحو ذلك، فإن العدل أن نقول له: رد ذلك؛ لأن من حقك أن ترد إذا كان معيباً، ولكن رد أرش كسره، فيكون البائع قد ارتجع سلعته، وقد ضُمن حقه كاملاً، ويكون المشتري قد دفع الضرر عن نفسه. وبناءً على هذا قرر العلماء أن الشيء الذي يكسر أو يفتح ويكون كسره مخلاً به، ويمكن الانتفاع به بعد الكسر، ووجد المشتري فيه العيب، فإننا نقول: من حقك أن ترده بالعيب، ومن حق البائع أن يضمنك ما أتت عليه يدك، فنلزمه بضمان ذلك الكسر. أما لو كان المبيع كبيض الدجاج ونحوه مما لو كسر لم ينتفع به بعد الكسر، كما إذا كسر بيض الدجاج ووجده فاسداً، فحينئذٍ يكون غير منتفع به بوجه، فلا يبقى إلا ضمان القيمة كاملة، فيجب على البائع أن يرد للمشتري قيمة البيض كاملة؛ لأنه لا يمكن أن ينتفع بهذا المبيع بحال. وقد يسأل سائل لماذا لا يضمن الكسر؟ والجواب: أنه إذا باعه بيض الدجاج، وتبين أنه فاسد، فإن الصفقة ليست محلاً للمال، أي: لا تستحق شيئاً من المال، فإذا أتلفها فإنه يتلف شيئاً فاسداً، ولو اعتدت يده عليه فإنه لا يرد بحيث ينتفع به بعد الاعتداء، بخلاف جوز الهند، وبخلاف بيض النعام، فإنه يمكن أن ينتفع به بعد الكسر. وبناء على هذا، قالوا: إذا باع البيض وهو فاسد ثم تبين ذلك بعد كسره فإنه لا يمكن أن ينتفع بالبيض بعد كسره بحال، فلا يلزم المشتري أن يرد؛ لأنه فاسد لا قيمة له، ولو قيل: إنه كسره فقد كسر شيئاً فاسداً لا قيمة له، فالمعاوضة ودفع المال على هذا الشيء الفاسد، توجب رد المال كاملاً لصاحبه أعني: المشتري. ومن هنا فرق أهل العلم رحمهم الله بين الشيء الذي يمكن أن ينتفع به بعد كسره وفتحه وفكه، وبين الشيء الذي لا يمكن أن ينتفع به بعد الفك والفتح، ويقاس على ذلك الأشياء الموجودة في عصرنا، فإذا كان الشيء مقفلاً في صندوق، أو موضوعاً في كرتون بطريقة معينة، يتكلف البائع وضعه في هذا الصندوق أو في هذا الكرتون، فإنه يجب ضمان ذلك الشيء الذي أتلفه المشتري، ويرد للبائع عين السلعة ويضمن ما أتلفه من ذلك الغلاف، كما قرر العلماء رحمهم الله، وأصل هذه المسألة في جوز الهند، وبيض النعام. قوله: [كجوز هند وبيض نعام، فكسره فوجده فاسداً، فأمسكه فله أرشه، وإن رده رد أرش كسره]: [فأمسكه] أي: المشتري، بأن قال: هذا الجوز -جوز الهند- فاسد، وسأنتفع به وهو فاسد؛ ولكن أريد أن يضمن لي حقي من الأرش، فنقدر جوز الهند كاملاً، ونقدره ناقصاً ويدفع الأرش بالصفة التي سبق بيانها. إذاًَ: إذا اشترى المشتري جوز هند أو بيض نعام، ووجده معيباً، فإنه يخير بين أمرين، بين أن يبقي الصفقة كما هي ويأخذ أرش النقص، وبين أن يرد الجوز ويدفع هو أرش الإتلاف لذلك الجوز وذلك البيض، فما ظُلم البائع ولا ظُلم المشتري. والعلماء اختاروا جوز الهند بيض النعام؛ لأنهم يريدون أن يمثلوا لك بشيء كان في زمانهم يمكن أن ينتفع به بعد كسره، فقد كان

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير