تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تقبل شهادة الوالد لولده ولا الولد لوالده. ثم أيضاً هناك دليل ثانٍ وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم) وهو حديث صحيح ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقوله: (وإن أولادكم من كسبكم) جعل فيه الولد من كسب والده وكأنه راجع إليه، فإذا شهد له كان بمثابة الشاهد لنفسه. أيضاً هناك دليل من النظر: وهو أن الولد والوالد كل منهما تغلبه عاطفة القرابة، والشهادة إنما قبلت من صاحبها لغلبة الظن بالصدق، وإذا غلب على الظن خلاف الصدق، واتهم الشاهد، كان موجباً للرد، ولذلك جاء في الحديث الذي رواه الحاكم وصححه غير واحد من العلماء: (لا تقبل شهادة خصم ولا ضنين)، و (الضنين): المتهم، كقوله تعالى: وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ [التكوير:24] أي: متهم. فقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تقبل شهادة خصم ولا ضنين) دل على أن الشهادة في الرد مبناة على التهم، فإذا شهد الوالد لولده والولد لوالده، فإنه هنا تهمة قوية، ولذلك قالوا: إن هذه الشهادة من حيث الأصل لا تقبل. وبعض العلماء يقول: شهادة الوالد لولده والولد لوالده في الأصل كانت مقبولة، ولكن نظراً لاختلاف الزمان وتغير الزمان تغيرت الفتوى، فكان السلف يقبلونها ثم ردت، وهذا يروى عن الإمام محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، إمام السنة في زمانه رحمه الله، يقول: إن السلف كانوا يقبلون شهادة الولد لوالده، والوالد لولده، وقصة علي رضي الله عنه كانت أصلاً عندهم، وهي ترد هذا الذي ذكره الإمام الزهري رحمه الله، وتقوي القول الأول، خاصة وأن السنة تقوي أن الولد من والده. وسواء قلنا: إنها مردودة بالشرع وهو الصحيح، أو قلنا: إنها مردودة بالإجماع وهو المرجوح، فالمهم أنها لا تقبل لا شهادة الوالد لولده، ولا الولد لوالده. لكن لو شهد الولد على والده، أو شهد الوالد على ولده، فحينئذٍ تكون الشهادة مقبولة؛ لأن هذا لا يكون إلا عن حمية للدين وصدق، خاصة إذا عرف الولد بالصدق والأمانة والعدالة، وكذلك الوالد، فإن المسلم الصادق لا تأخذه في الله لومة لائم، ومن كمال الإيمان أن يكون الإنسان قائماً بالقسط، فيشهد ولو على أقرب الناس إليه. فبناءً على هذا: شهادة الولد لوالده، والوالد لولده فيها تهمة، فلو أنه أخبرك بالثمن واشترى ممن لا تقبل شهادته له، فحينئذٍ يكون لك الخيار. والسبب أننا لا نستطيع أن نتوصل إلى حقيقة القيمة، لوجود الشبهة في صدقه فيما قال وفيما أخبر به، ولذلك يعتبر من موجبات الخيار على الوجه الذي ذكره المصنف رحمه الله. قال رحمه الله: [أو بأكثر من ثمنه حيلة]: أي: أو اشترى بأكثر من ثمنه حيلة. رحمة الله على العلماء، إن من لذة الفقه أنك قد تقرأ المسائل هكذا فتشعر بالسآمة والملل، لكن إذا أردت أن تبحث عن العلل والأسباب وجدت أنهم يرتبون هذه العلل ترتيباً دقيقاً، فهم يبحثون عن شيء يوجب الخيار، وتحصل به التهمة، ويبحثون عن إنصاف المشتري من البائع، وأيضاً إنصاف البائع من المشتري؛ لأن البائع ما جاءك إلا للعدل، ولا بنيت هذه الشريعة إلا على العدل: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الأنعام:115] فالله عز وجل حكم بهذه الشريعة للعدل. فالمسألة عندنا هنا يكون فيها صدق في الظاهر وحيلة في الباطن، ولما ذكر المصنف رحمه الله القاعدة: (أن يشتري بأكثر حيلة)، ذكر ضابطاً، وهذا له صور وله أمثلة، لكن من أشهرها أن يأتي رجل إلى شخص يحبه كأخيه وقريبه، أو ابن عمه، أو ابن خاله، ويقول له: أشتري منك عمارتك هذه بمائة ألف، والعمارة في الحقيقة تستحق ثمانين ألفاً، وهو يضع في ذهنه أنه سيبيعها مرابحة ولكنه يحتال على المرابحة فيخبر بصدقٍ حقيقتهُ الخداع والغش، فيأتي إلى هذا القريب ويقول له: ما رأيك يا فلان! لو تبيعني عمارتك بمائة ألف، والعمارة قيمتها ثمانون ألفاً، وبطبيعة الحال قد يعلم أن القريب يريد أن يبيع أو لا يريد أن يبيع، لكن القريب بمجرد أن يعلم هذا السعر المغري سيوافق، فاشترى منه العمارة بمائة ألف، هذه العمارة وضعها في الحسبان أنه سيبيعها مرابحة، فجاءه المشتري وقال له: بكم اشتريت هذه العمارة؟ قال: رأس مالي فيها مائة ألف، فهو صادق ولم يكذب؛ لكنه في الحقيقة ختل المشتري وخدعه، وفي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير