تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكان المعلم المبارك ? رحيماً رفيقاً، يتخولهم بالموعظة والتعليم، يدخل مجامعهم رجالاً ونساءً، فما من أحد صحبه ? رجلاً كان أو امرأة، صغيراً كان أو كبيراً، إلا ويحفظ عنه على قدره، ويتشرف بدعوته المباركة: ((نضَّر الله امرأ سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه، فرب مُبَلَّغٍ أوعى من سامع)) (). فإن كان آلاف الصحابة يتعلمون منه خارج بيوته في وضح النهار وإدباره أعماله وحركاته، فمن أين لنا أن نعلم سننه وأموره ولياليه بعدما تتشرف به جدران حجراته فتستر وجوده الشريف عن أعين الناس بما يأتي به، ويذر في جنح الظلام؟ نعم، هناك أزواجه أمهات المؤمنين الكثيرات ينقلن عنه أموره الخاصة حتى مما يستحيا من ذكره، ولكنه دين الله وأمر الله لتبليغ دينه، فنجدهن ينقلن إلى أبنائهن ما كان يعمله النبي ? في خلوته معهن.

ثم وراء هذا يحرص أحدهم من محارم أمهات المؤمنين أن يبيت في بيت النبي ?، حتى يتعلم كيف كان يقضي ? ليله في عبادة ربه، ويصعد أحدهم على سطح بيت إحدى أمهات المؤمنين -وهي أخته- لبعض حاجته، فيتفق له أن يرى النبي ? جالساً في الكنيف يقضي حاجته، فيروي في ذلك: ((فرأيت رسول الله ? مستدبراً القبلة مستقبلاً الشام)) ().

وبذلك يجب أن نؤمن أنه لا يمكن أن تكون كلمة من النبي ? ضاعت بل حفظت حفظاً تاماً.

وإن بعضهم كان يعالج الشدة في حفظ السنة، فإذا اشتكى إلى النبي ? نسيانه وتَفَلُّتَ محفوظه، أشكاه ? بدعوته المباركة.

ثم صار أصحاب رسول الله ? معلمين لأصحابهم، فأدوا الأمانة إلى تابعيهم، وتابعوهم إلى تابعيهم، حتى دونت السنة تدويناً في الكتب، وحُفظت عن ظهر القلوب.

وشهد التاريخ الصادق أن المسلمين في كل عصر ومصر بذلوا كل مستطاعهم لحفظ السنة من كل دخيل يدخل فيها سهواً أوعمداً.

وإن علوم الحديث وقواعده التي قَعَّدوها لمعرفة صحيح حديث رسول الله وضعيفه، تدل على توفيق الله لهم على ما وهبهم من القوة في الإرادة والذكاء والفطنة.

ففي كل عَصْرٍ تحمَّل علماء السنة مسؤوليتهم، فحموا السنة، وألَّفوا فيها تآليف، وحرروا المسائل، وترجموا لآلاف الرواة، وحكموا عليهم بعلم وخبرة وسبْر واستقراء، وأعطوا كل ذي حق حقه من الثقة والضعف.

هذا ومن أهم فنون علم الحديث: فن معرفة العلل، فإنه من أدقها وأطلبها للجهد والكدِّ، فإن هذا العلم لا يحصل إلا بجمع الطرق واستيعاب الرواة المهملين والمشتبهين والمؤتلفين والمختلفين وغيرهم ولا يقوم به إلا أفذاذ وأفراد.

وفي الصفحات الآتية نذكر لمحة عن علل الحديث تحت عنوان "علم علل الحديث ودوره في حفظ السنة النبوية"، نقدمه لندوة عناية المملكة العربية السعودية – أقامها الله وأدامها– بالسنة والسيرة النبوية.

وقد انتظم البحث في هذه المقدمة وبابين وخاتمة.

أما الباب الأول فاشتمل على خمسة فصول:

الفصل الأول: في تعريف العلة.

الفصل الثاني: في أقسام العلة.

الفصل الثالث: في بيان أهمية علل الحديث.

الفصل الرابع: في مواضع العلة في الحديث.

الفصل الخامس: في أسباب العلة في الحديث.

وأما الباب الثاني فاشتمل على أمثلة تطبيقية للعلل في ضوء شروط الصحيح. وفيه فصول:

الفصل الأول: أمثلة للأحاديث التي وقعت العلة فيها في معرفة العدل من غيره.

الفصل الثاني: أمثلة وقعت العلة فيها لأجل ضبط الراوي وعدم ضبطه.

الفصل الثالث: أمثلة وقعت العلة فيها لأجل عدم الاتصال عن طريق خفي.

الفصل الرابع: أمثلة وقعت العلة فيها لأجل الشذوذ.

الفصل الخامس: في تعليل الحديث بعلل عامة.

والخاتمة: وتشمل خلاصة البحث وبعض الاقتراحات.

الباب الأول

العلة: تعريفها وأقسامها وبيان أهمية معرفتها وأسبابها ومواضعها

الفصل الأول: في تعريف العلة

تعريف العلة لغة:

يظهر من النظر في أقوال اللغويين أن مادة (عَلَّ) تأتي لثلاثة معان:

الأول: العَلَل وهي الشربة الثانية، ويقال: عَلَلٌ بعد نَهْلٍ، والفعل يَعُلُّون.

والثاني: العائق يَعوق، قال الخليل: العِلَّة حَدَثٌ يَشغَل صاحِبَه عن وجْهه، ويقال: اعتلَّه عن كذا أي اعتاقه.

والثالث: العلة: المرض وصاحبها مُعْتَلّ. قال ابن الأعرابي: علَّ المريض يَعِلُّ عِلَّة فهو عَلِيلٌ، ورَجُلٌ عُلَلَة، أي كثير العِلَل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير