تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الإمام مسلم: ((واعلم رحمك الله أن صناعة الحديث ومعرفة أسبابه من الصحيح والسقيم، إنما هي لأهل الحديث خاصة؛ لأنهم الحفاظ لروايات الناس، العارفون لها دون غيرهم، إذ الأصل الذي يعتمدون لأديانهم السنن والآثار المنقولة من عصر إلى عصرٍ من لدن النبي ? إلى عصرنا هذا، فلا سبيل لمن نابذهم من الناس، وخالفهم في المذهب إلى معرفة الحديث، ومعرفة الرجال من علماء الأمصار فيما مضى من الأعصار من نقلة الأخبار وحُمّال الآثار، وأهل الحديث هم الذين يعرفونهم ويميّزونهم حتى ينزلوهم منازلهم في التعديل والتجريح، وإنما اقتصصنا هذا الكلام لكي نثبته لمَن جهل مذهب أهل الحديث ممن يريد التعلم والتنبّه، على تثبيت الرجال وتضعيفهم فيعرف ما الشواهد عندهم والدلائل التي بها أثبتوا الناقل للخبر من نقلته، أو أسقطوا من أسقطوا منهم، والكلام في تفسير ذلك يكثر، وقد شرحناه في مواضع غير هذا وبالله التوفيق)) ().

من أهمية علم علل الحديث: أنه علم دقيق لا يقوم به إلا الفطاحل من العلماء

قال ابن الصلاح: ((اعلم أن معرفة علل الحديث من أجل علوم الحديث وأدقها وأشرفها، وإنما يضطلع بذلك أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب)) ().

وقال أبو عبدالله بن منده: ((إنما خص الله بمعرفة هذه الأخبار نفراً يسيراً من كثير ممن يدّعي علم الحديث، فأمّا شأن الناس ممن يَدَّعي كثرة كتابة الحديث أو أنه متفقه في علم الشافعي، أو أبي حنيفة، متبع لكلام الحارث المحاسبي، والجنيد، وذي النون، وأهل الخواطر، فليس لهم أن يتكلموا في شيء من علم الحديث إلا من أخذه من أهله وأهل المعرفة فحينئذٍ يتكلم بمعرفته)) ().

وقال عبدالرحمن بن مهدي: ((معرفة الحديث إلهام، فلو قلت للعالم يعلِّل الحديث: من أين قلت هذا؟ لم يكن له حجة)) ().

وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي رحمه الله يقول: ((جاءني رجل من جِلَّة أصحاب الرأي من أهل الفهم منهم، ومعه دفتر فعَرَضَه عَليّ فقلت في بعضها: هذا حديث خطأ، قد دَخَل لصاحبه حديث في حديث، وقلت في بعضه: هذا حديثٌ باطل، وقلت في بعضه: هذا حديثٌ منكر، وقلت في بعضه: هذا حديث كذب، وسائر ذلك أحاديث صحاح، فقال لي: من أين عَلِمْت أن هذا خطأ، وأن هذا باطل، وأن هذا كذب، أخبرك راوي هذا الكتاب بأني غلطت، وأني كذبت في حديث كذا؟ فقلت: لا، ما أدري ما هذا الجزء من رواية مَن هو؟ غير أني أعلم أن هذا خطأ، وأن هذا الحديث باطل، وأن هذا الحديث كذب، فقال: تدّعي الغيب؟ قال: قلت: ما هذا ادّعاء علم الغيب. قال: فما الدليل على ما تقول؟ قلت: سَلْ عمّا قلت من يُحْسِن مثل ما أُحْسِن، فإن اتفقنا علمتَ أنّا لم نُجازِفْ، ولم نَقُلْهُ إلا بفهم. قال: من هو الذي يُحسِن مثل ما تُحْسِن؟ قلت: أبو زرعة، قال: ويقول أبو زرعة مثل ما قُلتَ؟ قُلتُ: نعم، قال: هذا عجب، فأخذ فكتب في كاغد ألفاظي في تلك الأحاديث، ثم رَجَع إليَّ وقد كتب ألفاظ ما تكلّم به أبو زرعة في تلك الأحاديث، فما قلتُ: إنه باطل. قال أبو زرعة: هو كذب. قلت: الكذب والباطل واحد، وما قلتُ: إنه منكر، قال: هو منكر كما قلت، وما قلت: إنه صِحاحٌ، قال أبو زرعة: هو، صحاح. فقال: ما أعجب هذا، تتفقان من غير مواطأة فيما بينكما، فقلت: ذلك أنا لم نُجازفْ، وإنما قلناه بعلم ومعرفة قد أوتينا. والدليل على صحّة ما نقوله بأن ديناراً نَبَهْرجاً يحمل إلى الناقد. فيقول: هذا دينارٌ نَبَهْرج، هل كنتَ حاضراً حين بُهْرِج هذا الدينار؟ قال: لا، فإن قيل له: فأخبرك الرجل الذي بَهْرجَه: أني بهرجتُ هذا الدينار؟ قال: لا. قيل: فمِن أين قُلتَ: إن هذا نبهرج؟ قال: علماً رُزِقتُ، وكذلك نحن رزقنا معرفة ذلك، قلت له: فتحمل فص ياقوت إلى واحدٍ من البصراء من الجوهريين، فيقول: هذا زجاج، ويقول لمثله: هذا ياقوت. فإن قيل له: من أين علمتَ أن هذا زجَاج، وأن هذا ياقوت، هل حضرت الموضع الذي صُنِع فيه هذا الزجاج؟ قال: لا. قيل له: فهل أعلمك الذي صاغَه بأنه صَاغ هذا زجاجاً؟ قال: لا، قال: فمن أين علمت؟ قال: هذا علمٌ رُزِقتُ، وكذلك نحنُ رُزقنا علماً، لا يتهيّأ لنا أن نُخبرك كيف علمنا بأن هذا الحديث كذب، وهذا منكر إلا بما نعرفه)) ().

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير