وهكذا انتهت مرحلة التفكيروالمناقشة والتخطيط وبدأت مرحلة الإعداد والتحضير مقدمة بين يدي الفعل والتنفيذ (قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ* أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ*).< o:p>
ومن الملاحظ أنهم لم يأتوا بذكرالله أبدا في جميع خطابهم علماً بأنهم مؤمنون ترعرعوا في بيئة إيمان ونبوة ... وكأن الشيطان أنساهم ذكرالله وكأن الإنسان المؤمن في غمرة المعصية والإثم لايذكرربه ولوتذكرلأقلع (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ* وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ* حَتَّى إِذَا جَاءَنا قَالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ) (الزخرف 36 - 38).< o:p>
وهكذا فإن المعصية والفاحشة ُتنسي ذكرالله وتخرج الإيمان من قلب المتلبس به< o:p>
كما أن الغفلة عن ذكر الله توقع المرء في حبال الشيطان والآثام< o:p>
فهي حلقة مفرغة يدورالعاصي في فلكها ولايخرج منها إلا بذكرالله والإقلاع عن الذنب (أي بالتوبة).< o:p>
وحاول الأب بأسلوب لطيف رفيق أن يقنعهم بالتخلي عن هذا المطلب ملمحاً بصورة غيرمباشرة عن عدم رضاه ومعتذراً بأسباب نفسية وتوقعات ظنية علها تثنيهم عن أمرهم هذا ولكن الأخوة وقد غلبهم الهوي ونزغ الشيطان فيهم يصرون علي موقفهم ويحاولون ملحين إقناع أبيهم بمطلبهم وإسقاط حججه وإزالة خوفه وحذره.< o:p>
ثم انتقلت الآيات من مشهد حوارالأخوة مع أبيهم إلي مشهد البدء بتنفيذ خطتهم الفعلية (فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُون).< o:p>
ويتبادر لذهن السامع للوهلة الأولي فيظن أن يوسف قد ’ترك لمصيره البائس المحروم ... فالأب لم يحزم أمره ويمنع ابنه والإخوة ماضون في أمرهم لايلوون علي شيء ويوسف نفسه مستسلم لقدره ولم ينبس ببنت شفه ولم يأت بأية حركة.< o:p>
حتي إذا بلغ الشر مداه والفعل السيء منتهاه ... والظلم والظلمة أحلكها والوحشة أوحشها في غيابة الجب ... فلا أنيس ولا جليس ولا قريباً ’يرتجي ولا بعيداً ’ينتظر ولا صوتاً ’يسمع ولا نوراً ’يري ... وفي شدة الكرب يأتي الفرج وفي قمة الإضطرار يغاث الملهوف ... وفي ثبات اليقين يفلح الصابرون ويستجيب الله الودود الرحيم لمن دعاه بقلبه وصمت لسانه فعلمه بحاله يغنيه عن سؤاله< o:p>
في هذه اللحظة أتته المعية الإلهية والرحمة الرحمانية تغنيه عن كل (الغير) عن الأب والأم والإخوة ... تزيل عنه وحشته ... تنير له كل ظلمة ... ’تذهب عنه كل حزن ... تفرج عنه كل كرب ... تيسرله كل عسر ... تمسح عنه كل دمعة ... تنزع عنه كل أسي وألم ... تأخذ بيده في كل أمر.< o:p>
وأوحينا إليه: وكفي بوحي الله من نعمة وقربي ومدد ... وكفي بوحي الله صلة وكفي بوحي الله ليوسف من اجتباء واصطفاء وإخلاص.< o:p>
ثم ينتقل السياق من مشهد إلي مشهد ويترك لذهن السامع الإستنتاج بأن خطتهم قد تكللت بالنجاح وأنهم أنجزوا عملهم بجعل يوسف في الجب علي أكمل وجه وقد رجعوا إلي أبيهم ليختموا الفصل الأخيرمن الخطة وذلك بتقديم ما أعدوه من الأعذارالمزعومة إلي أبيهم (وَجَآءُوا أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ* قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ* وَجَآءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُوَن) < o:p>
¥