تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

التي بدأت في مدرجاتِ جامعة القاهرة بين الطالب محمود شاكر وأستاذه طه حسين، عندما طعن الأخير صراحةً في القرآن الكريم في معرضِ حديثه عن انتحالِ الشعر الجاهلي، وكان بطل هذه المعركة بلا منازع العلامة مصطفى صادق الرافعي الذي انبرى يردُّ مزاعمَ طه حسين، ويفند آراءه، ووصل الأمر إلى مجلسِ النواب وإلى ساحاتِ القضاء، وكان النصر المؤزر الذي أكد أنَّ في هذه الأمة رجالاً يذودون عن مقدساتنا.

في هذا الوقتِ كان الأديبُ الكبير عباس محمود العقاد وفديًّا وصحفيًّا مرموقًا، لكنه في هذا الوقتِ المبكرِ لم يكن في اهتماماته مثل مصطفى صادق الرافعي، وكان بينهما علاقة طيبة، لكنَّ العقادَ- كعادته دائمًا- كان في طبعه جفاءٌ لا يُخفيه، وغيرة تجاه إبداع الآخرين، ومن ذلك أنه كان في مجالسه الخاصة يُسمِّي طه حسين الأعمى، ويقول عن الرافعي: المهذار الأصم، هذا رغم عدم وجود مبررٍ يدفعه إلى ذلك.

ولما كانت علاقته بالرافعي طيبةً، دارت بينهما أحاديثُ وتوطدت صداقةٌ لم يقطعها إلا العقاد، عندما التقى الرافعي في مجلة المقتطف التي يملكها يعقوب صروف، المسيحي الشامي الماروني، وكان هذا اللقاء عاصفًا؛ ذلك أنه عندما صدر كتاب (إعجاز القرآن) للرافعي، قال العقاد: إنه ليتفق لهذا الكتاب من أساليبِ البيان ما لا يتفق مثله لكاتبٍ من كُتَّاب العربية في صدر أيامها، وعندما صدرت الطبعة الجديدة من هذا الكتاب كان أول الخصام.

يُذكر أنَّ الرافعي سعى يومًا إلى دارِ مجلةِ المقتطف لأمرٍ ما، فوافق العقاد هناك فلقيه هذا بوجهٍ غيرِ الذي كان يلقاه به، فاعتذر الرافعي لنفسه عنه، وجلسا يتحدثان، ثم سأله الرأي في كتابِ إعجاز القرآن، فكأنما ألقى عليه حجرًا في ماءٍ آسنٍ، ومضى يتحدث في حماسةٍ وغضبٍ وانفعالٍ، كأنَّ ثأرًا بينه وبين إعجاز القرآن، ولو كان طعنًا وتجريحًا في الكتابِ نفسه لهان الأمر، ولكن حديثه عن الكتابِ جرَّه إلى حديثٍ آخرَ عن القرآن نفسه، وعن إعجازه وإيمانه بهذا الإعجاز، وثارت نفسه ساعتئذٍ ثورةً عنيفةً.

يمضي الرافعي في روايته: وأخذتُ أناقشه الرأي وأبادله الحوار في هدوءٍ، وإنَّ في صدري لمرجلاً يلتهب، وإذ كنتُ أخادع نفسي فأزعم لها أنه لم يتخذ لنفسه هذا الأسلوب في الهجومِ على فكرة إعجاز القرآن إلا لأنه حريصٌ على أن يعرف ما لا يعرف، وعلى أن يقتنع بما لم يكن مقتنعًا به، فأخذت معه في الحديث على هدوئي وثورة أعصابه، ولم أفهم- إلا من بعد- ما كان يدعوه إلى ما ذهب إليه.

وتنتهي هذه الجلسة إلى خصومةٍ عنيفةٍ بين الرجلين لتفتك رابطة صداقتهما، وتنشأَ بينهما خصومةٌ كانت على أثرها المقالات التي كتبها الرافعي بعنوان "على السفود"، والتي أعادت نشرَهَا مكتبةُ الآداب بعد مضي خمسة وسبعين عامًا عليها، وقدمت لها دراسةً بقلم الدكتور الطاهر مكي، الأستاذ بكلية دار العلوم وعضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة.

بداية المعركة

طلب إسماعيل مظهر- صاحب مجلة العصر- من الرافعي أن يكتب مقالاتٍ نقديةً لاذعةً، يلفت بها الانتباه إلى الشعراء الذين يتمتعون بوجودٍ إعلامي ملموسٍ رغم كونهم محدودي الموهبة، فكتب الرافعي ثلاث مقالاتٍ عن عبد الله عفيفي الذي كان مقربًا من الملك فؤاد ومدحه كثيرًا، ولم يرد عبد الله عفيفي على الرافعي، ثم كان أن طلب إسماعيل مظهر من الرافعي أن يسير في هذا الاتجاه كاتبًا بالأسلوبِ نفسه عن بقيةِ الشعراء، وهنا بدأ الرافعي في إعداد السفود (السيخ الذي يُشوى عليه اللحم) ليضع العقاد فوقه ويصليه نارًا حاميةً، وتحولت المعركة إلى قتالٍ عنيفٍ بالقلمِ استخدم فيه الكاتبان الكبيران كل أنواع الأسلحة لم يبقيا على لفظٍ فاحشٍ، ولا فكرةٍ معيبةٍ إلا استخدماها، وكان البادئ في ذلك الرافعي.

ويرى د. الطاهر مكي أنه ربما أراد الرافعي أن يهدم رأي العقاد في إعجاز القرآن بهدمه شاعرًا؟ ويضرب مثالاً على ذلك بما جرى قبل تسعة قرون، عندما حاول الباقلاني في كتابه (إعجاز القرآن) أن يُدلل على إعجازِ كتاب الله بتقديمه، وشيخهم الذي يعترفون بفضله وإمامهم الذي يرجعون إليه، فاختار معلقته وأخذ يهدمها بيتًا بيتًا وفكرةً فكرةً، معتقدًا أنَّ ذلك يعني إثبات الإعجاز للقرآن الكريم.

نماذج

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير