تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

روى الإمام أحمد عن جبير بن نفير عن أبيه قال: (لما فتحت قبرص فرق أهلها فبكى بعضهم على بعض، فرأيت أبا الدرداء جالساً وحده يبكي فقلت: يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله في الإسلام وأهله؟ فقال: ويحك يا جبير ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره، بينما هي أمةُ قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله، فصاروا إلى ما ترى) وعن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله: ((إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعذاب من عنده فقلت: يا رسول الله أما فيهم يومئذ أناس صالحون؟ قال: بلى، قلت: كيف يصنع بأولئك؟ قال: يصيبهم ما أصاب الناس ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان)) وعن عبدالله بن عمر: ((كنت عاشر عشرة رهط من المهاجرين عند رسول الله فأقبل علينا رسول الله بوجهه فقال: يا معشر المهاجرين خمس خصال أعوذ بالله أن تدركوهن: ما ظهرت الفاحشة في قوم قط حتى أعلنوها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولا نقص قوم المكيال إلا ابتلوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان، وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولا نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تعمل أئمتهم بما أنزل الله في كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم)) ابن ماجة، وذكر بعض أنبياء بني اسرائيل ما يصنع بهم بختنصر فقال: بما كسبت أيدينا سلطت علينا من لا يعرفك ولا يرحمنا.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (إنكم تعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، وإن كنا لنعدها على زمن رسول الله من الموبقات).

أيها المسلمون: إن الذنوب شؤمها عظيم على البلاد والعباد، وأثرها كبير، ومن الناس من يعلم أنه يذنب ويعصي ربه، ولا يرى لذلك أثراً، فيظن أنه لا عقاب في الدنيا على الذنب، وهذا خطأ كبير، فإن الذنب لا ينسى.

ونظر بعض العباد إلى صبي فتأمل محاسنه، فأتى في منامه، وقيل له: لتجدن غمها بعد أربعين سنة، وقال سليمان التميمي: إن الرجل ليصيب الذنب في السر فيصبح وعليه مذلته، ومن خان الله في السر هتك الله ستره في العلانية.

عباد الله: للمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة مما لا يعلمه إلا الله، فمنها: حرمان العلم لأن العلم نور يقذفه الله في القلب، والمعصية تطفئ ذلك النور، ولما جلس الشافعي بين يدي مالك رحمهما الله وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته وتوقد ذكائه وكمال فهمه فقال: إني أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً، فلا تطفئه بظلمة المعصية، ومنها حرمان الرزق كما أن تقوى الله مجلبة للرزق، فترك التقوى مجلبة للفقر، ومنها وحشة يجدها العاصي بينه وبين الله لا يقارنها لذة أصلاً، ولو اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها لم تف بتلك الوحشة.

وشكى رجل إلى بعض العارفين وحشة يجدها في نفسه فقال له: إذا كنت قد أوحشتك الذنوب فدعها إذا شئت واستأنس. ومنها الوحشة التي تحصل بين العاصي وبين الناس، خصوصاً أهل الخير منهم، حتى تقع الوحشة بين أهله وولده وبينه، وبين نفسه. وقال بعض السلف: إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي.

ومن آثار الذنوب تعسير الأمور فلا يتجه العاصي لأمر إلا ويجده مغلقاً دونه أو متعسراً عليه بخلاف من اتقى الله، فإن الله يجعل له من أمره يسراً، ومنها ظلمة يجدها في قلبه حقيقة يحس بها كما يحس بظلمة الليل، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: إن للحسنة ضياءً في الوجه، ونوراً في القلب، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه وظلمة في القبر، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضاً في قلوب الخلق.

ومنها أن المعاصي توهن القلب والبدن لأن الفاجر وإن كان قوي البدن فهوأضعف شيء عند الحاجة، فتخونه قوته أحوج ما يكون إلى نفسه، فتأمل قوة أبدان فارس والروم كيف خانتهم أحوج ما كانوا إليها، وقهرهم أهل الإيمان بقوة أبدانهم وقلوبهم العامرة بالإيمان والتقوى، ومنها حرمان الطاعة، فالذنب يصد عن طاعة تكون بركة، فتنقطع عليه بالذنب طاعات كثيرة، كل واحدة منها خير من الدنيا وما عليها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير