تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

اللهم ياحي يا قيوم وفقنا لطاعتك التي ترضيك وجنبنا معاصيك وسد عنا كل طريق يوصل إليها ويرغب فيها، واجعلنا من أوليائك وأهل محبتك وطاعتك، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي سيد المرسلين، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله الهادي إلى كل خير، والآمر بكل معروف وبر وإحسان غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير.

عباد الله: قال ابن القيم: إن الطاعة هي حصن الله الأعظم الذي من دخله كان من الآمنين من عقوبات الدنيا والآخرة، ومن خرج عنه أحاطت به المخاوف من كل جانب، ومن خاف الله أمنه من كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه من كل شيء.

والطاعة توجب القرب من الرب سبحانه، وكلما اشتد القرب قوي الأنس، والمعصية توجب البعد من الرب، وكلما زاد العبد بعداً قويت الوحشة.

عباد الله: إن الذنوب أمراض القلوب، ولا دواء لها إلا تركها بالاستعانة بالله، وقد أجمع السائرون إلى الله على أن القلوب لاتعطى مناها حتى تصل إلى مولاها، ولا تصل إليه حتى تكون صحيحة سليمة بمخالفة هواها الذي هو مرضها وشفاؤها مخالفته، ولا تتم سلامة العبد حتى يسلم من خمسة أشياء: من شك يناقض التوحيد، وبدعة تخالف السنة، وشهوة تخالف الأمر، وغفلة تناقض الذكر، وهوى يناقض التجريد، والإخلاص يعم، ولذلك تشتد على العبد الضرورة في أن يلح على ربه دائماً ويسأله أن يهديه الصراط المستقيم، فإن الصراط المستقيم يتضمن علوماً وإرادات وأعمالاً وتروكاً ظاهرة وباطنة تجري عليه كل وقت، فتفاصيل الصراط المستقيم قد يعلمها العبد، وقد لا يعلمها، وما يعلمه قد يقدر عليه، وقد لا يقدر، وقد تريده نفسه، وقد لا تريده كسلاً وتهاوناً أو لوجود مانع، وما تريده النفس قد يفعله وقد لا يفعله، وما يفعله قد يقوم بشروط الإخلاص فيه، وقد لا يقوم، وما يكن مخلصاً فيه قد يكون متابعاً للرسول فيه وقد لا يكون، وما يتابع فيه قد يثبت عليه وقد يصرف قلبه عنه، وهذا كله واقع سار في الخلق، فمستقل ومستكتر، وليس في طباع العبد الهداية إلى ذلك كله، والرب تبارك وتعالى على صراط مستقيم في قضائه وقدره وأمره ونهيه وفي شأنه كله، فيهدي من يشاء إلى صراط مستقيم بفضله ورحمته، ويصرفه عمن يشاء بعدله وحكمته.

عباد الله: والمعاصي تمحق بركة العمر، فإذا أعرض العبد عن الله واشتغل بالمعاصي ضاعت عليه أيام حياته الحقيقية التي يجد غب إضاعتها يوم يقول: ياليتني قدمت لحياتي فعمر الإنسان هو مدة حياته ولا حياة له إلا بإقباله على ربه والتنعم بحبه وذكره وإيثار مرضاته.

ومن آثار المعاصي أنها تزرع أمثالها، ويولد بعضها بعضاً حتى يصعب على العبد مفارقتها، قال بعض السلف: إن من عقوبة السيئة السيئة بعدها، وإن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها حتى تصير الطاعات والمعاصي هيئات راسخة وصفات لازمة وملكات ثابتة، فلو عطل المحسن الطاعة لضاقت عليه نفسه وضاقت عليه الأرض بما رحبت، وأحس من نفسه بأنه كالحوت إذا فارق الماء حتى يعاودها، فتسكن نفسه وتقر عينه، ولو عطل العاصي المعصية وأقبل على الطاعة لضاقت عليه نفسه حتى يعاودها، حتى أن كثيراً من الفساق ليواقع المعصية من غير لذة يجدها ولا داعية إليها إلا لما يجد من ألم مفارقتها.

عباد الله: فلنفتح على أنفسنا أبواب الطاعات فلا يزال العبد يعاني الطاعة ويجاهد عليها حتى يألفها ويحبها حتى يرسل الله برحمته عليه الملائكة تؤزه إليها أزاً وتحرضه عليها وتزعجه عن فراشه ومجلسه إليها.

ومن آثار المعاصي: أنه ينسلخ من القلب استقباحها، فتصير له عادة فلا يستقبح من نفسه رؤية الناس له ولا كلامهم فيه قال: ((كل أمتي معافى إلا المجاهرون)).

ومنها: أن كل معصية من المعاصي فهي ميراث من الأمم التي أهلكها الله عز وجل ((من تشبه بقوم فهو منهم)).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير