والجواب: أنهم يرجون شفاعتها في الدنيا لإصلاح معاشهم، وفي الآخرة على تقدير وجودها لأنهم شاكُّون فيها. نصّ على هذا ابن كثير في سورة الأنعام، في تفسير قوله: {مَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ} الآية. ويدل له قوله تعالى عن الكافر {وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى} وقوله: {وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا} لأن " إن" الشرطية تدلُ على الشك في حصول الشرط، ويدل له قوله: {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} في الآيتين المذكورتين.
قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ} الآية.
نص الله تعالى في هذه الآية على أن هذا دعاء موسى، ولم يذكر معه أحداً، ثم قال: {قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا}.
والجواب: أن موسى لما دعا، أمَّن هارون على دعائه، والمؤمِّن أحَدُ الداعين، وهذا الجمع مرويٌّ عن أبي العالية،وأبي صالح، وعكرمة،ومحمد بن كعب القرظي،والربيع بن أنس. قاله ابنكثير.
وبهذه الآية استدل بعض العلماء على أن قراءة الإمام تكفي المأموم إذا أمَّن له على قراءته؛ لأن تأمينه بمنْزلة قراءته.
سورة هود
قوله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ}.
هذه الآية الكريمة فيها التصريح بأن الكافر يُجازَى بحسناته؛ كالصدقة وصلة الرحم وقرى الضيف والتنفيس عن المكروب، في الدنيا دون الآخرة؛ لأنه تعالى قال: {نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} يعني الحياة الدنيا، ثم نصَّ على بطلانها في الآخرة بقوله: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} الآية.
ونظير هذه الآية قوله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا} الآية، وقوله تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} الآية على ما قاله ابن زيد وقوله {وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} على أحد القولين، وقوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} على أحد الأقوال الماضية في سورة الأنفال.
وقد صحَّ عنه ًً? أن الكافر يُجازى بحسناته في الدنيا، مع أنه جاءت آيات أُخر تدلُّ على بطلان عمل الكافر واضمحلاله من أصله، وفي بعضها التصريح ببطلانه في الدنيا مع الآخرة في كفر الرِّدَّة وفي غيرها.
أما الآيات الدالّة على بطلانه من أصله، فكقوله: {أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} وكقوله: {أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ} الآية.
وقوله {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا}.
وأما الآيات الدالة على بطلانه في الدنيا مع الآخرة فكقوله في كفر المرتد: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} وكقوله في كفر غير المرتد: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللَّهِ} إلى قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ}.
¥