تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبين الله تعالى في آيات أخر، أن الإنعام عليهم في الدنيا ليس للإكرام بل للاستدراج والإهلاك، كقوله تعالى: {سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}، وكقوله تعالى: {{وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} (178) سورة آل عمران} وكقوله تعالى: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ} وقوله تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ} وقوله: {قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} وقوله: {وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} إلى قوله: {وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} إلى غير ذلك من الآيات.

والجواب من أربعة أوجه:

الأول ـويظهر لي صوابه لدلالة ظاهر القرآن عليه ـ: أن من الكفار من يثيبه الله بعمله في الدنيا، كما دلَّتْ عليه آيات وصحَّ به الحديث، ومنهم من لا يثيبه الله بعمله في الدنيا، كما دلت عليه آيات وصحَّ به الحديث، ومنهم من لا يثيبه في الدنيا، كما دلت عليه آيات أخر، وهذا مُشاهد فيهم في الدنيا، فمنهم من هو في عيش رغد، ومنهم من هو في بؤس وضيق.

ووجه دلالة القرآن على هذا، أنه تعالى أشار إليه بالتخصيص بالمشيئة في قوله: {َّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ} فهي مخصصة لعموم قوله تعالى: {{نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ} (15) سورة هود} وعموم قوله تعالى: {وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا}.

وممن صرح بأنها مخصصة لهما، الحافظ ابن حجر في فتح الباري، في كتاب الرقاق، في الكلام على قول البخاري [باب: المكثرون هم المقلون]، وقوله تعالى: {{مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} الآيتين.

ويدل لهذا التخصيص قوله في بعض الكفار: {خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) سورة الحج} وجمهور العلماء من حمل العام على الخاص، والمطلق على المقيد، كما تقرر في الأصول.

الثاني: وهو وجيه أيضاً، أن الكافر يُثاب عن عمله بالصحة وسعة الرزق والأولاد ونحو ذلك، كما صرح به تعالى في قوله: {نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} يعني الدنيا، وأكد ذلك بقوله {وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ} وبظاهرها المتبادر منها كما ذكرنا. فسرها ابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة،والضحاك كما نقله عنهم ابن جرير.

وعلى هذا ف بطلان أعمالهم في الدنيا بمعنى أنها لم يعتد بها شرعاً في عصمة دم، ولا ميراث ولا نكاح، ولا غير ذلك، ولا تفتح لها أبواب السماء، ولا تصعد إلى الله تعالى، بدليل قوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ}، ولا تُدَّخر لهم الأعمال النافعة، ولا تكون في كتاب الأبرار في عليين، وكفى بهذا بطلاناً.

أما مطلق النفع الدنيوي بها، فهو عند الله لا شيء، فلا يُنافي بطلانها؛بدليل قوله: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ} وقوله: {وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون وقوله: {وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} إلى قوله: {للمتقين} والآيات في مثل هذه كثيرة.

ومما يوضح هذا المعنى حديث:" لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافراً شربة ماء".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير