تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويحاولون تكريس تلك التبعية، واستنبات ثقافة تتناقض مع الخصوصية العقدية

والحضارية في التربة العربية.

======

وكتاب (المرايا المقعرة) يقع في (512) صفحة، ويحتوي على تمهيد

وخاتمة، وبينهما الجزء الأول الذي يحمل عنوان: (الحداثة والقطيعة مع التراث)،

ويضم فصلين الأول: (ثقافة الشرخ)، والثاني: (من النتائج إلى المقدمات)،

أما الجزء الثاني: (وصل ما انقطع: نحو نظرية نقدية عربية) فيتضمن المدخل

ثم الفصل الأول بعنوان: (النظرية اللغوية العربية)، والفصل الثاني: (النظرية

الأدبية العربية)، وبعد الخاتمة توجد الهوامش والمراجع.

* الشرخ الثقافي:

يرى المؤلف أن المثقف العربي يعيش ثقافة الشرخ أو الفصام بين موروثه

الديني الذي تربى عليه، وبين اقتناعاته التي اكتسبها من خلال احتكاكه (بالآخر)

الثقافي تجعله يتساءل: من أنا؟ بل من نحن؟ وأن المؤسسات الثقافية العربية منذ

الاتصال بثقافة الغرب في النصف الأول من القرن التاسع عشر، أو منذ السنوات

الأخيرة من القرن السابق عليه منذ الحملة الفرنسية على مصر عجزت عن تطوير

مشروع ثقافي خاص بنا يوقف الشرخ ويرأب الصدع، مشروع يحقق الهوية

الثقافية الخاصة بنا، ويحافظ عليها ضد محاولات الاقتلاع الثقافي وسلب الهوية

التي تحاصرنا بها ثقافة التغريب القادمة عبر العولمة.

المشروع الثقافي العربي المفقود من شأنه تحديد الهوية الثقافية للجماعة،

والحفاظ عليها من الذوبان في ثقافة أو ثقافات الآخر في أثناء تفاعلها معه أو

احتكاكها في عصر أصبح الاحتكاك بين الثقافات أمراً محتوماً؛ مما يعني ضرورة

وجود درجة من التحكم في التغيرات الاجتماعية التي هي أساس الأنشطة الثقافية،

وبخاصة أن كثيراًَ من البلاد العربية عاشت عقوداً طويلة بعد الاستقلال تطبق مبادئ

مستوردة من الشرق تارة والغرب تارة أخرى بزعم التنمية والنهوض الاقتصادي،

وهي مبادئ ونماذج كانت بعيدة عن اقتناعات وهوية الشعوب العربية؛ ولذلك لم

يكتب لها النجاح.

واستمر الشرخ الثقافي وأخذت الأسئلة تلح بقوة على كثير من أعضاء الصفوة

المثقفة، وكان السؤال المحوري: من نحن؟ هل نحن شرقيون أم غربيون؟ هل

نعيش حالة المجتمع الحديث أم حالة المجتمع القديم؟ هل ننتمي إلى التراث العربي

أم إلى التراث الغربي؟ ولا شك أن العودة إلى الأصول باعتبارها المدخل الوحيد

لتحديد الهوية الثقافية القومية سوف ينهي حالة الفصام، ويضع حداً للشرخ ويرأب

الصدع، وهكذا نعود إلى درجة من التوحد الصحي والكلية التي راوغتنا لما يقرب

من قرنين من الزمان، عندئذ سنكون أسعد حالاً بعد أن نخرج من الدائرة الجهنمية

الحالية التي ندور حولها مغمضي العيون مسلوبي الإرادة تتقاذفنا تيارات القديم

والجديد دون أن ننجز شيئاً، ولن نجد أنفسنا نعيش ذلك التناقض المؤلم الذي يريده

لنا الحداثيون.

* السؤال الصعب؟

ويطرح الدكتور عبد العزيز حمودة سؤاله الصعب حول السبب في حدوث

هذا الشرخ الثقافي والفصام المؤلمين؟ ويجيب قائلاً: لقد وصل الحال بالبعض منا

في انبهاره بالغرب والثقافة الغربية إلى درجة العمى الكامل الذي أفقدهم القدرة على

الاختلاف، وبلغ انبهارهم بالعقل الغربي وإنجازاته إلى درجة احتقار العقل العربي

وإنجازاته، وهذه الحال لم تكن الحداثة وما بعد الحداثة هما السبب فيها. لقد كان

ارتماء العلمانيين العرب في أحضان الحداثة وما بعدها نتيجة وليس سبباً؛ صحيح

أنهما يمثلان ذروة الارتماء في أحضان الثقافة الغربية، لكنها ذروة سبقتها عملية

اتجاه واعية ومدركة نحو الغرب وثقافته بدأت في أثناء حكم محمد علي لمصر،

وتمثلت في تحديث التعليم وابتعاث الشباب إلى أوروبا مع الإبقاء على نظام التعليم

التقليدي، ومن هنا بدأت الازدواجية والثنائية والشرخ.

ثم أصبح جسر التأثير الغربي في الثقافة العربية طريقاً واسعاً ممهداً عن

طريق الاستعمار الغربي، فلم يعد الأمر مقصوراً على فئة محدودة من الأفراد

يبتعثون إلى أوروبا لتعود بانبهارها إلى الثقافة العربية لتحاول تحديث العقل العربي،

أو مجرد اقتباس أنظمة تعليم أوروبية حديثة تطبق في عدد محدود من المدارس،

بل تعداه إلى غزو بشري عسكري يؤكد التفوق العسكري والثقافي للمنبهرين

ويفرض التبعية على المترددين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير