تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إنه لا يمكن الفصل بين الحداثة وما بعد الحداثة من ناحية وبين العولمة التي

يقودها الغرب أو ما يسمونه بالكونية الجديدة، واتفاقية الجات التي تحكم السيطرة

على اقتصاديات دول العالم لصالح الغرب من ناحية ثانية، ثم الغطرسة الغربية

المهيمنة التي تريد فرض نموذجها الصناعي الرأسمالي الاستهلاكي والثقافي أيضاً

على الدول المغلوبة على أمرها من ناحية أخرى. ليست مقولة المؤامرة هنا تعبيراً

عن حالة مرضية بل هي حقيقة واقعة يؤكدها عقلاء الفكر الغربي - ومنهم المفكر

(تورين) - وهؤلاء العقلاء يرون الخطر الواضح بين العقلية والكونية التي تعد

الحداثة أحد مظاهرها وبين السيطرة الغربية على دولة وشعوب العالم الثالث.

ويخلص المؤلف إلى نتيجة هامة وهي أن تبني الحداثة وما بعد الحداثة

الغربيتين مصاحباً بكل الانبهار الذي رافق ذلك يعني في بساطة مؤلمة أن بعض

الحداثيين العرب قد مهدوا لعمليات الاختراق الثقافي، وسهلوا عملية السيطرة

والهيمنة للحداثة شرقيها وغربيها، وهذا هو حجم الخطأ الذي يحدد بالقطع حجم

اللوم المناسب.

* المؤامرة الموثقة:

ويتطرق الدكتور عبد العزيز حمودة إلى أهم جزء في كتابه وهو تفاصيل

(المؤامرة) الموثقة في (509) صفحات من القطع الكبير هي حجم كتاب (من دفع

أجرة العازف؟) للباحثة البريطانية (سورين سوندرز) التي استقت وثائقها من

ملفات أجهزة المخابرات الأمريكية والبريطانية بعد الإفراج عن تلك الملفات بعد

مضي المدة الزمنية المقررة، وشملت الوثائق لقاءات مطولة مع المؤسسات

والأشخاص المستهدفين، ثم أجهزة التمويل أو (الغطاء) - في لغة المخابرات -

الذي استخدم في ذلك، وكشفت علاقة كل ذلك بالحداثة الغربية والحداثة العربية

خاصة.

وفي مقدمة كتابها أوضحت أهداف تدخل أجهزة المخابرات الأمريكية

والبريطانية في الأنشطة الثقافية في المنطقة العربية وتمويل تلك الأنشطة، وأهم

هذه الأهداف الترويج للحداثة باعتبارها سلاحاً ضد الثقافات المحلية للشعوب،

وقالت بالنص ص (2): (لقد قامت مؤسسة التجسس الأمريكية دون أن يردعها

أو يكتشفها أحد لأكثر من عشرين عاماً بإدارة واجهة ثقافية متطورة جيدة التمويل

في الغرب ومن أجل الغرب باسم حرية التعبير بعد أن اعتبرت الحرب الباردة

(معركة حول العقول) جمعت المؤسسة ترسانة ضخمة من الأسلحة الثقافية من

الصحف والكتب والمؤتمرات وحلقات النقاش والمعارض الفنية والحفلات الموسيقية

والجوائز).

إن كلمات (توم برادن) وهو من أبرز رجال المخابرات البريطانية الذين

قادوا (الحرب الثقافية) الواردة بكتاب سوندرز تؤكد بما لا يترك مجالاً للشك أن

عمليات الغواية لجذب المثقفين إلى المعسكر الغربي لم تكن بريئة كلية؛ لكنها في

الوقت نفسه تبرز مفارق جوهرية؛ فالمخابرات من منطلق تشجيع ما يسمى بـ

(حرية التعبير) كانت تقوم أولاً بشراء حرية التعبير، ثم تقوم بالتحكم فيها وتقييدها،

وتعلق سوندرز على ذلك بقولها: (لم يكن سوق الأفكار بالحرية التي تظاهر بها)

وأخذت فروع رابطة (حرية الثقافة) وهي الواجهة المخابراتية للغزو الثقافي

تنتشر في البلاد العربية، إن سوندرز تؤكد من خلال الوثائق أن المخابرات الغربية

شجعت عن طريق التمويل التيارات الحداثية في الفنون والآداب والنقد، ولم تكن

الحداثة الغربية بالبراءة التي تصورها البعض، وإنما كانت الحلقة الأخيرة في

سلسلة الهيمنة والسيطرة على مقدرات الشعوب المقهورة والتمهيد لسيطرة الثقافة

الغربية، والمفارقة التي تبرزها سوندرز أن أمريكا التي رفعت شعار (حرية

التعبير) أو (الحرية الثقافية) واستخدمته سلاماً مبدئياً في حربها الباردة مع

المعسكر الشرقي كانت في تلك السنوات المبكرة في أواخر الأربعينيات وأوائل

الخمسينيات من القرن الماضي على وجه التحديد تقهر حرية التعبير داخل الولايات

المتحدة، بل إن الذوق الأمريكي ممثلاً رسمياً في رئيس الجمهورية وبعض أعضاء

مجلس الشيوخ كان يعتبر الفن الحداثي فناً هابطاً منحلاً، وقد وصل الأمر إلى

درجة اتهام أحد أعضاء الكونجرس للفنانين الحداثيين بالتجسس لحساب الاتحاد

السوفييتي؛ ولكن ذلك لم يمنع من تشجيع نشر الحداثة لضرب ثقافات الشعوب

الأخرى.

لقد بدأ النشاط الحداثي في العالم العربي مع مجلة (حوار) التي افتتحت في

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير