تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فَامْتَنَعَ، ثُمَّ أَجَابَ، رَجَاءَ أَنْ يُطلَقَ وَيَنحَدِرَ إِلَى بَغْدَادَ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِ المُتَوَكِّلُ خِلْعَةً، وَأَتَوْهُ بِدَابَّةٍ يَرْكَبُهَا إِلَى المُعْتَزِّ، فَامْتَنَعَ، وَكَانَتْ عَلَيْهِ مِيثرَةُ نُمُورٍ، فَقُدِّمَ إِلَيْهِ بَغلٌ لِتَاجرٍ، فَرَكِبَه، وَجَلَسَ المُتَوَكِّلُ مَعَ أُمِّهِ فِي مَجْلِسٍ مِنَ المَكَانِ، وَعَلَى المَجْلِسِ سِترٌ رَقِيْقٌ، فَدَخَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عَلَى المُعْتَزِّ، وَنَظَرَ إِلَيْهِ المُتَوَكِّلُ وَأُمُّهُ.

فَلَمَّا رَأَتْهُ، قَالَتْ: يَا بُنَيَّ، اللهَ اللهَ فِي هَذَا الرَّجُلِ، فَلَيْسَ هَذَا مِمَّنْ يُرِيْدُ مَا عِنْدَكُم، وَلاَ المَصْلَحَةُ أَنْ تَحْبِسَه عَنْ مَنْزِلِهِ، فَائذَنْ لَهُ لِيَذْهَبَ. (11/ 272)

فَدَخَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عَلَى المُعْتَزِّ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُم.

وَجَلَسَ، وَلَمْ يُسلِّمْ عَلَيْهِ بِالإِمرَةِ، فَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ بَعْدُ يَقُوْلُ:

لَمَّا دَخَلتُ عَلَيْهِ، وَجَلَسْتُ، قَالَ مُؤَدِّبُه: أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ، هَذَا هُوَ الَّذِي أَمَرَهُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ يُؤَدِّبُكَ وَيُعِلِّمُكَ؟

فَقَالَ الصَّبِيُّ: إِنْ عَلَّمَنِي شَيْئاً، تَعَلَّمتُهُ.

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: فَعَجِبتُ مِنْ ذَكَائِه وَجَوَابِه عَلَى صِغَرِه، وَكَانَ صَغِيْراً.

وَدَامَتْ عِلَّةُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَبَلَغَ المُتَوَكِّلَ مَا هُوَ فِيْهِ، وَكَلَّمَهُ يَحْيَى بنُ خَاقَانَ أَيْضاً، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَجُلٌ لاَ يُرِيْدُ الدُّنْيَا، فَأَذِنَ لَهُ فِي الانْصِرَافِ، فَجَاءَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى وَقْتَ العَصْرِ، فَقَالَ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَدْ أَذِنَ لَكَ، وَأَمَرَ أَنْ يَفْرُشَ لَكَ حَرَّاقَةً تَنْحَدِرُ فِيْهَا.

فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: اطلبُوا لِي زَوْرَقاً أَنْحَدِرِ السَّاعَةَ.

فَطَلَبُوا لَهُ زَوْرَقاً، فَانْحَدَرَ لِوَقْتِهِ.

قَالَ حَنْبَلٌ: فَمَا عَلِمْنَا بِقُدُوْمِه حَتَّى قِيْلَ: إِنَّه قَدْ وَافَى.

فَاسْتَقبَلتُه بِنَاحِيَةِ القَطِيعَةِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنَ الزَّوْرَقِ، فَمَشَيتُ مَعَهُ، فَقَالَ لِي: تَقَدَّمْ لاَ يَرَاكَ النَّاسُ فَيَعرِفُونِي، فَتَقَدَّمْتُهُ.

قَالَ: فَلَمَّا وَصَلَ، أَلْقَى نَفْسَهُ عَلَى قَفَاهُ مِنَ التَّعَبِ وَالعَيَاءِ.

وَكَانَ رُبَّمَا اسْتَعَارَ الشَّيْءَ مِنْ مَنْزِلِنَا وَمَنْزِلِ وَلَدِهِ، فَلَمَّا صَارَ إِلَيْنَا مِنْ مَالِ السُّلْطَانِ مَا صَارَ، امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى لَقَدْ وُصِفَ لَهُ فِي عِلَّتِهِ قَرْعَةٌ تُشوَى، فَشُويتْ فِي تَنُّورِ صَالِحٍ، فَعَلِمَ، فَلَمْ يَسْتَعمِلْهَا، وَمِثلُ هَذَا كَثِيْرٌ. (11/ 273)

وَقَدْ ذَكَرَ صَالِحٌ قِصَّةَ خُرُوْجِ أَبِيْهِ إِلَى العَسْكَرِ، وَرُجُوعِهِ، وَتَفْتِيْشِ بُيُوْتِهِم عَلَى العَلَوِيِّ، وَوُرُودِ يَعْقُوْبَ بِالبَدرَةِ، وَأَنَّ بَعْضَهَا كَانَ مائَتَيْ دِيْنَارٍ، وَأَنَّهُ بَكَى، وَقَالَ: سَلِمتُ مِنْهُم، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ عُمُرِي، بُلِيتُ بِهِم، عَزمتُ عَلَيْكَ أَنْ تُفرِّقَهَا غَداً.

فَلَمَّا أَصْبَحَ، جَاءهُ حَسَنُ بنُ البَزَّارِ، فَقَالَ: جِئنِي يَا صَالِحُ بِمِيْزَانٍ، وَجِّهُوا إِلَى أَبْنَاءِ المُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارِ، وَإِلَى فُلاَنٍ.

حَتَّى فَرَّقَ الجَمِيْعَ، وَنَحْنُ فِي حَالَةٍ اللهُ بِهَا عَلِيْمٌ، فَجَاءنِي ابْنٌ لِي، فَطَلَبَ دِرْهَماً، فَأَخْرَجتُ قِطْعَةً، فَأَعطيتُه، فَكَتَبَ صَاحِبُ البَرِيْدِ: إِنَّه تَصدَّقَ بِالكُلِّ لِيَومِهِ، حَتَّى بِالكِيْسِ.

قَالَ عَلِيُّ بنُ الجَهْمِ: فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، قَدْ تَصَدَّقَ بِهَا، وَعَلِمَ النَّاسُ أَنَّهُ قَدْ قَبِلَ مِنْكَ، وَمَا يَصْنَعُ أَحْمَدُ بِالمَالِ؟! وَإِنَّمَا قُوتُهُ رَغِيْفٌ.

قَالَ: صَدَقتَ.

قَالَ صَالِحٌ: ثُمَّ أُخرِجَ أَبِي لَيلاً، وَمَعَنَا حُرَّاسٌ، فَلَمَّا أَصْبَحَ، قَالَ: أَمَعَكَ دَرَاهِمُ؟

قُلْتُ: نَعَمْ.

قَالَ: أَعطِهِم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير