كَانَ أَحْمَدُ مِنْ أَحيَى النَّاسِ وَأَكرمِهِم، وَأَحسَنهِم عِشْرَةً وَأَدباً، كَثِيْرَ الإِطْرَاقِ، لاَ يُسمَعُ مِنْهُ إِلاَّ المُذَاكَرَةُ لِلْحَدِيْثِ، وَذِكْرُ الصَّالِحِيْنَ فِي وَقَارٍ وَسُكُوْنٍ، وَلَفْظٍ حَسَنٍ، وَإِذَا لَقِيَهُ إِنْسَانٌ، بَشَّ بِهِ، وَأَقبَلَ عَلَيْهِ، وَكَانَ يَتَوَاضعُ لِلشُّيُوْخِ شَدِيْداً، وَكَانُوا يُعَظِّمُونَهُ، وَكَانَ يَفْعَلُ بِيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ مَا لَمْ أَرَهُ يَعْمَلُ بِغَيْرِهِ مِنَ التَّوَاضُعِ وَالتَّكْرِيْمِ وَالتَّبجِيلِ، كَانَ يَحْيَى أَكْبَرَ مِنْهُ بِسَبعِ سِنِيْنَ.
الخُطَبِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ:
كَانَ أَبِي إِذَا أَتَى البَيْتَ مِنَ المَسْجَدِ، ضَرَبَ بِرِجْلِهِ حَتَّى يَسمَعُوا صَوتَ نَعْلِهِ، وَرُبَّمَا تَنَحْنَحَ لِيَعلمُوا بِهِ.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُهَنَّى، قَالَ:
رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ مَرَّاتٍ يُقَبَّلُ وَجْهُهُ وَرَأْسُهُ، وَلاَ يَقُوْلُ شَيْئاً وَلاَ يَمتَنِعُ، وَرَأَيْتُ سُلَيْمَانَ بنَ دَاوُدَ الهَاشِمِيَّ يُقَبَّلُ رَأْسُهُ وَجَبهَتُهُ، لاَ يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ، وَلاَ يَكرهُهُ.
وَقَالَ عَبْدُوْسٌ العَطَّارُ: وَجَّهْتُ بِابْنِي مَعَ الجَارِيَةِ يُسَلِّمُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَرَحَّبَ بِهِ، وَأَجْلَسَهُ فِي حَجْرِهِ، وَسَاءلَهُ، وَاتَّخَذَ لَهُ خَبِيصاً، وَقَالَ لِلْجَارِيَةِ: كُلِي مَعَهُ، وَجَعَلَ يُبسِطُهُ.
وَقَالَ المَيْمُوْنِيُّ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ حَسَنَ الخُلُقِ، دَائِمَ البِشْرِ، يَحْتَمِلُ الأَذَى مِنَ الجَارِ.
عُلْوَانُ بنُ الحُسَيْنِ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ، قَالَ:
سُئِلَ أَبِي: لِمَ لاَ تَصحَبُ النَّاسَ؟
قَالَ: لِوَحشَةِ الفِرَاقِ. (11/ 319)
ابْنُ بَطَّةَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ لأَحْمَدَ الوَكِيْعِيِّ:
يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! إِنِّي لأُحِبُّكَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ عُبَيْدٍ، عَنِ المِقْدَامِ، قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيُعْلِمْهُ).
ابْنُ بَطَّةَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ القَافْلاَنِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ هَانِئٍ، قَالَ:
كُنَّا عِنْدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ فِي مَنْزِلِهِ، وَمَعَهُ المَرُّوْذِيُّ، وَمُهَنَّى، فَدَقَّ دَاقٌّ البَابَ، وَقَالَ: آلمَرُّوْذِيُّ هَا هُنَا؟
فَكَأَنَّ المَرُّوْذِيَّ كَرِهَ أَنْ يُعلَمَ مَوْضِعُهُ، فَوَضَعَ مُهَنَّى أُصبُعَهُ فِي رَاحتِهِ، وَقَالَ: لَيْسَ المَرُّوْذِيُّ هَا هُنَا، وَمَا يَصْنَعُ المَرُّوْذِيُّ هَا هُنَا؟
فَضَحِكَ أَحْمَدُ، وَلَمْ يُنْكِرْ.
فِي مَعِيْشَتِهِ:
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: خَلَّفَ لَهُ أَبُوْهُ طرزاً وَدَاراً يَسْكُنُهَا، فَكَانَ يَكرِي تِلْكَ الطرزَ، وَيَتَعَفَّفُ بِهَا.
قَالَ ابْنُ المُنَادِي: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ لِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ:
أَنَا أَذْرَعُ هَذِهِ الدَّارَ، وَأُخرِجُ الزَّكَاةَ عَنْهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ، أَذهَبُ إِلَى قَوْلِ عُمَرَ فِي أَرْضِ السَّوَادِ. (11/ 320)
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
الغَلَّةُ مَا يَكُوْنُ قُوْتُنَا، وَإِنَّمَا أَذهبُ فِيْهِ إِلَى أَنَّ لَنَا فِيْهِ شَيْئاً.
فَقُلْتُ لَهُ: قَالَ رَجُلٌ: لَوْ تَرَكَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الغَلَّةَ، وَكَانَ يَصْنَعُ لَهُ صَدِيْقٌ لَهُ، كَانَ أَعْجَبَ إِلَيَّ.
فَقَالَ: هَذِهِ طُعْمَةُ سُوءٍ، وَمَنْ تَعَوَّدَ هَذَا، لَمْ يَصبِرْ عَنْهُ.
ثُمَّ قَالَ: هَذَا أَعْجَبُ إِلَيَّ مِنْ غَيْرِهِ -يَعْنِي: الغَلَّةَ- وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهَا لاَ تُقِيمُنَا، وَإِنَّمَا أَخَذَهَا عَلَى الاضطِرَارِ.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: رُبَّمَا احْتَاجَ أَحْمَدُ، فَخَرَجَ إِلَى اللِّقَاطِ.
قَالَ الخَلاَّلُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الطَّرَسُوْسِيُّ، قَالَ:
¥