تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم إن صاحب المقال اعتبر أن الربا الحرام هو (ركام المظالم والمآثم التي تفرضها علاقة إذعان مبنية على اضطرار الطرف الأضعف لقبول شروط الطرف الأقوى في سبيل الخلاص من لحظة ضعف لا يلبث أن يكتشف أنه تورط فيما هو أشد منها رهقاً وأكثر ظلماً)، وهذا الكلام صحيح في شرح الحالة التي يكون عليها المتعامل بالربا، ولكن بما أن صاحب المقال مدير مركز الدراسات الإسلامية ويعنى بالأبحاث الإسلامية، وهذه المسألة من جملة الأحكام الشرعية، فإنا نسأله هل هذا هو تعريف الربا شرعاً الذي اتفق عليه العلماء، أم أنه صورة من صور وألوان الربا المتعامل عليه في الجاهلية، ولو أردنا أن نطبق كلامك على المصارف الربوية لوجدنا أن المتعامل مع المصارف الربوية يتعامل بشروط إذعانية يفرضها المصرف عليه ولا خيار للطرف الأضعف في هذه الشروط، فإن ما قاله عن صورة الربا الحرام ينطبق أصلاً على التعامل مع المصارف الربوية تماماً، إذ لا يلبث المقترض من المصرف أن يجد نفسه أمام عجز وورطة لم تكن له بالحسبان.

الأمر الثالث: أنه نقل عن عضو في مجمع البحوث الإسلامية قوله (إن المجمع لا يعترض على القاعدة الفقهية: كل قرض جر نفعاً فهو ربا وإن لم تكن حديثاً مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم بسند صحيح، ولكن أبسط شرائط القرض أن يسعى المقترض إلى المقرض اضطراراً عن حاجة وهو المعنى الذي أكده الحديث الشريف: ( .. لأن السائل يسأل وعنده، والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة)، أخرجه ابن ماجه .. فكان حديث ابن ماجه في تفسير القرض أولى التفاسير بالقبول).

ولا بد من البيان أولاً أن العلماء لم يضعوا شروطاً للمستقرض، ولا نجد في كتب الفقه باباً في شروط المقترض، بل غاية ما في الحديث هو بيان غالب حال الذين يستقرضون أنهم يكونون بحاجة وذلك أن القرض واجب الأداء فلا يختاره أحد إلا بحاجة.

أليس السائل في بعض الأحيان يكون محتاجاً أكثر من المستقرض، فقد ذكر العلماء استنباطاً من حديث الرجل الذي أمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحتطب، ـ وهو سائل ومحتاج كما هو ظاهر الحديث ـ أن السائلين منهم من يجوز لهم السؤال وهو الفقير المعدوم الذي لا يقوى على العمل وبهذه الحال يكون في أعوز الحاجة.

ثم ينبغي أن نعلم أن الحديث الذي بنى عليه هذا التفسير المغلوط حديث ضعيف لا يستدل بمثله على حكم خطير كهذا، ففي سنده خالد بن يزيد بن أبي مالك أبو هاشم الدمشقي ضعيف كما ذكر ذلك ابن حجر في التقريب، وقد ضعفه أحمد وابن معين وأبو داود والنسائي وأبو زرعة والدار قطني وغيرهم، وكذلك حديث ابن مسعود الذي استدل به صاحب المقال (ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً .. ) فيه قيس بن رومي مجهول وسليمان بن يسير متفق على تضعيفه، ويمكن أن يستدل بهما على فضيلة الذي يقرض لا على شرط المقترض. ونحن نرى التجار يقترضون أيضاً وهم ليسوا من ذوي الحاجات وإنما يقترضون لمصالح تجارية.

الأمر الرابع: أن النصوص القرآنية في سورة البقرة من الآية (261ـ281) جاءت في المقام الأول للتحذير من استغلال الفقير حال اضطراره للدَّين كما يتضح من أسباب النزول. والقارئ للآيات الكريمة هذه سيجد أنها تدور حول محورين أساسيين هما: الحض على النفقة، وتحريم الربا والتحذير من خطورته والترهيب منه. فالحض على الصدقة من مبادئ التكافل الاجتماعي في الإسلام ومن وسائل إلغاء الفوارق الطبقية الناشئة عن الابتزاز والإسراف وغير ذلك، وتحريم الربا لما في التعامل فيه من الإجحاف في حق الآخرين، سواء كان فقيراً أو غنياً، وغالب الربا المتعامل فيه في الجاهلية كان من القرض، ولذلك جاءت الآية ((وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة)) بعد آيات تحريم الربا ولكن هذا لا يعني خصوص الربا في المال المشروط على القرض، ولعل صاحب المقال نسي القاعدة الفقهية والتفسيرية أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

وأما الادعاء بأن المصارف نمط طارئ على المعاملات الاقتصادية التي لم تكن سبباً في ورود نصوص تحريم الربا فهذا صحيح ولكن لا يعني أن الحكم الموجود فيها من تحريم الربا لا ينطبق عليها لأنه إذا توافرت فيها شروط الربا المحرم فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما مرّ، وليست النصوص القرآنية آنية لزمان محدد وحوادث محددة نزلت الآيات القرآنية لأجلها -كما زعم صاحب المقال- بل هو تشريع خالدٌ إلى يوم القيامة كما هو معلوم ضرورة.

وأما استخدام صاحب المقال لعبارات منمقة لتظهر تحرره الفقهي وأنه ينطلق بالفقه إلى آفاق مقاصدية تكون فيها مصلحة الأمة، واتهامه بالجمود لمن يأخذ بآراء المتقدمين، فإن هذا الكلام أضحى قديماً متكرراً مللنا من سماعه، مع أننا نفرق بين التحرر والتفلت ونؤكد على ضرورة الاجتهاد للقضايا المستجدة ضمن مصادر التشريع، وينبغي أن نعلم أن من مقاصد الشريعة غير المنصوص عليها أن لا نخرج عن الشريعة وعن حكم الله تعالى، و نعلم أيضاً أن حكم القاضي لا يحل الحرام، ولا يحرم الحلال، وقرار المجمع المذكور لا يشكل من علماء المسلمين شيئاً ولا يحل الحرام ولا يحرم الحلال، وإذا كان الربا منتفياً عن المصارف الربوية إذن فأخبرني ماذا بقي من الربا؟

ما أشبه اليوم بالأمس عندما قالت اليهود (إنما البيع مثل الربا) وهم يقولون: إنما التعامل مع المصارف الربوية مثل التعامل مع المشاريع الاستثمارية فالجواب كما قال الله تعالى (وأحل الله البيع وحرم الربا).

إن قوله بأن الإسلام صالح لكل زمان ومكان وأن الشريعة مرنة تستطيع أن تساير الحياة بما يحقق مصالح الأمة، كلام صحيح وهو موضع اتفاق، ولكنها كلمة حق أريد بها باطل، أفلا يكون الإسلام مرناً إلا عندما نساير أهواء الناس ومصالح أرباب الأموال ولو كان ذلك على حساب الخروج عن الشرع!! وتعليل النصوص القرآنية والأحاديث النبوية بحالات اجتماعية واقتصادية في زمن معين؟.

قال الله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون)) البقرة:278 - 279.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير