هذه الدائرة لم تكن لتحوج الخليل إلى تكلف صنع بيتين من أبيات الزحاف في المنسرح والخفيف، لا وجود لهما في الواقع الشعري، ونحن لا نعترض على مسلك الخليل في صنعه للشواهد عموما، فأغلبها جاء لغايات تعليمية بحته، كقولهم بيت الخبن أو بيت الكف فتجد تفاعيل البيت كلها مزاحفة بزحاف واحد وقد قال الأخفش في تفسير ذلك: "فإن قال كيف جمعتم الأجزاء المزاحف فيها في البيت وأنتم لم تجدوا ذلك مجتمعا؟ وكيف زاحفتم في كل جزء وجدتم فيه الزحاف في موضع أو موضعين، وعسى أن يكون ذلك في أول البيت أو آخره أو أوسطه خاصة فأجزتموه أنتم في كل موضع منه؟ فلأن من الأجزاء ما قد رأينا العرب زاحفت فيه في غير موضع، وأكثروا من الزحاف فيه فنحمله على الأكثر في كلامهم ولا نحمله على الشاذ ".
ومع ذلك فالمشكلة ما كانت ستحل باعتماد هذه الدائرة، والسريع ما زال بلا دائرة تضمه. ولو فكر الخليل في تفصيل دائرة على قياسه، وهذا ممكن، فإن مشكلة أخرى ستنشأ في نظامه وهي مشكلة ازدواج توليد البحور وتكرارها في دوائر أخرى. ذلك أن الدائرة المقترحة سيكون منها بحور منها الرمل والهزج والمديد، وهذه سبق لها أن ظهرت في دائرتي المتفق والمجتلب.
إذن، كيف جرى حل هذه المعضلة؟ أعتقد أن الأستاذ خشان قد أصاب بحدسه الثاقب عمق الصلة التي تجمع بين دائرتي المجتلب والمشتبه. وهنا عرفنا كيف توجه الخليل في بحثه عن الدائرة التي تنتج له البحور التي ذكرناها في الدائرة السابقة ومعها بحر السريع. لقد تناول الخليل بحر الرجز، فعمد إلى وتده الأخيرففرق بين متحركيه فإذا به أمام نسق هو الرجز في تفعيلتيه الأوليين وأما ضربه ذو الوتد المفروق فصار كالعجينة اللدنة الطيعة بين أصابعه يشكلها كيف شاء فمرة كضرب البسيط وأخرى كضرب الرجز. ثم إن هذا النسق جر وراءه ثمانية أنساق أخرى، خمسة منها مستعملة والباقي عد مهملا، وذلك على النحو التالي:
دائرة المشتبه: (و) = وتد مفروق
السريع س س و س س و س س (و)
المتئد س و س س و س س (و) س
المنسرد و س س و س س (و) س س
المنسرح س س و س س (و) س س و
الخفيف س و س س (و) س س و س
المضارع و س س (و) س س و س س
المقتضب س س (و) س س و س س و
المجتث س (و) س س و س س و س
المطرد (و) س س و س س و س س
ـ[خشان خشان]ــــــــ[09 - 12 - 2010, 12:27 م]ـ
أخي وأستاذي الكريم
الله يجبر بخاطرك ويبارك فيك.
أتابع باهتمام.
أعتقد أن الأستاذ خشان قد أصاب بحدسه الثاقب عمق الصلة التي تجمع بين دائرتي المجتلب والمشتبه
إنما أعطاني مفتاح ذلك الجوهري بربطه بين المنسرح والرجز.
لماذا لم يستعمل الجوهري مفتاحه لربط الدائرتين ككل؟
لأن حدود التفاعيل حجبت ذهنه الثاقب ف (2 2 2 1) لا شخصية مستقلة لها كتفعيلة مفعولاتُ إلا في المنسرح. وهي في الخفيف مقسمة بين تفعيلتين:
فاعلا (تن مس تف عِ) لن فاعلاتن.
يرعاك الله.