تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[المستشرقون الجدد مقالة للأستاذ أحمد الصويان]

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[15 Sep 2010, 09:04 ص]ـ

قبل عقود كانت كتابات المستشرق الألماني (هوروفيتش) والمستشرق المجري (بيرانت هيللر) وغيرهما من المستشرقين المعتنين بالدراسات القرآنية، وكتابات غولد تسهير وجوزيف شاخت وغيرهما من المستشرقين المعتنين بالدراسات الحديثية، كانت كتابات هؤلاء جميعاً تحظى باهتمام بعض أهل الأهواء من بني جلدتنا، ثم تراهم يجترون شبهات القوم للتشكيك في القرآن العظيم والسُّنة النبوية، وفي تاريخ الأمة وتراثها العلمي. وكان بعضهم يعرض ذلك الغثاء بحجة البحث العلمي، كما فعل محمد أحمد خلف الله في رسالته عن الفن القصصي في القرآن، وكما فعل أبو ريَّة في تدوين السُّنة النبوية.

وكان بعض المنتسبين للأحزاب الشيوعية والتيارات الإلحادية يتلقفون تلك الشبهات، ويثيرونها في وسائل الإعلام وفي منتدياتهم الثقافية والفكرية لإسقاط حجية الشريعة ومحاربة دين الإسلام.

وفي تلك المرحلة تصدى علماء الإسلام لتلك الحملات الاستشراقية، وكشفوا زيف وتحريف تلك المشاريع التي تدَّعي الحياد العلمي في البحث، وتزعم استخدام الأدوات المعرفية المعاصرة في النقد والتحليل.

ومع مطلع هذا العقد بدأت حملة جديدة لإحياء تلك الشبهات الاستشراقية بأسلوبٍ هجوميٍّ فجٍّ مستفزٍّ أحياناً كما فعل نصر حامد أبو زيد ومحمد أركون وغيرهما، وبأسلوب ماكر مخادع أحياناً كما يفعل الدكتور محمد عابد الجابري، الذي يتدثر أيضاً بالبحث العلمي، ويزعم نقد التراث الإسلامي باستخدام الأدوات المعرفية من التراث نفسه.

وأكثرُ هؤلاء لا يزيد دورهم عن اجترار تلك الشبهات وإعادة استنساخها وصياغتها ... والمحصِّلة النهائية الناتجة واحدةٌ؛ فإذا كان محمد خلف الله وأركون وعزيز العظمة يزعمون أن القصص القرآني أساطير لا حقيقة لها، فإن الجابري يزعم أن سياق القصص في القرآن الكريم لم يُقصَد به التدوين التاريخي؛ وإنما هي أمثال مضروبة يراد منها العظة والعبرة، ويزعم أنه (كما يضرب القرآن المثل برجلين أو بجنتين من غير تحديد، وكما يُجرِي حواراً بين أهل الجنة وأصحاب النار والقيامةُ لم تقم بعد، فكذلك الشأن في قصص الأنبياء التي يذكرها؛ إنها للذكر (أي: للموعظة والعبرة). وهكذا فكما أننا لا نسأل عن صحة القصة التي وراء الأمثال التي تُضرَب لموقفٍ أو حالٍ؛ لأن المقصود بالمثل ليس أشخاصه بل مغزاه، فكذلك القصص القرآني في نظرنا. والصدق في هذا المجال - سواء تعلق الأمر بالمثل أو بالقصة - لا يُلتَمس في مطابقة أو عدم مطابقة شخصيات القصة والمثل للواقع التاريخي، بل الصدق فيه مرجعه مخيال المستمع ومعهوده) [1].

وإذا كان المستشرقون يطعنون صراحة في جَمْع القرآن وتحريِه، فإن الجابري يثني على الجهد الكبير الذي بُذِل في جمع القرآن، ولكنه يرى (أنه ليس ثمة أدلةٌ (قاطعة) [2] على حدوث زيادةٍ أو نقصانٍ في القرآن كما هو في المصحف بين أيدي الناس منذ جَمعِه زمن عثمان. أما قبل ذلك فالقرآن كان مفرَّقاً في صُحُفٍ وفي صدور الصحابة، ومن المؤكد أن ما كان يتوفر عليه هذا الصحابي أو ذلك من القرآن (مكتوباً أو محفوظاً) كان يختلف عمَّا كان عند غيره، كمّاً وترتيباً). ثم زعم أنه (من الجائز أن تحدث أخطاء حين جَمْعِه زمن عثمان أو قبل ذلك)؛ بحجة أن (الذين تولوا مهمة جمعه لم يكونوا معصومين) [3]!

هذه الموجة الجديدة من التضليل والتحريف والخداع، دفعت كثيراً من أهل الأهواء وأدعياء الفكر والثقافة إلى التمرد على الثوابت والتطاول على الحرمات الشرعية، والنقد المتطرف والمتشنج لكل ما هو تراثي. وقد زاد من حدَّة هذه الظاهرة ذلك الفضاء الواسع الذي فتحته شبكة الإنترنت؛ حيث أصبحت بعض المنتديات الحوارية والمواقع الفكرية تقذف بشباكها ليتساقط فيها بعض البسطاء المبهورين ببريق الحرية، وبعض أرباع المثقفين الذين غرهم تعالُم بعض المتفيقهين؛ فتحولت العقلية الانهزامية الهشة بعد الاغترار بتلك الشبهات إلى عقلية متشنجة تدَّعي الشجاعة والجرأة في نقد ثوابت الأمة!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير