تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[محمد أركون .. ومأزق البحث الوجودي للباحث ياسر المطرفي]

ـ[المستصفى]ــــــــ[23 Sep 2010, 06:02 م]ـ

محمد أركون .. ومأزق البحث الوجودي

ياسر بن ماطر المطرفي

جامعة الملك عبدالعزيز بجدة

تُشكِّل التساؤلات حول المعرفة والوجود أهم القضايا التي تسعى جميع الأديان والفلسفات للجواب عنها، والمفكرون هم تبعاً لذلك يبحثون عن أجوبة لتلك التساؤلات، ومن أهم المفكرين المعاصرين شديدي الصلة بالبحث في ذلك المفكر الجزائري محمد أركون.

والبحث في تحديد موقف أركون من هذه التساؤلات الكبرى له خصوصية تبعاً لخصوصية النص الأركوني، إذا ما قورن بنصوص أقرانه من المفكرين الحداثيين.

وتتمثل هذه الخصوصية في الترسانة المفاهيمية التي تحملها كتابات أركون، والتي تحوي متابعة لآخر تطورات المناهج الفلسفية التي تنتجها المنظومة الفكرية الغربية، وهذه المناهج التي تزخر بها كتاباته تُعَدُّ عند بعض المفكرين سر قوة النص الأركوني، إلاّ أنها تعتبر عند آخرين هي واحدة من أسباب ضعفه؛ لأن مسارعته لتلك المناهج ربما قادته إلى تبني نظريات لم تتشكل في طورها النهائي بعد حتى في الحقول التي نشأت فيها، بالإضافة إلى أنهم يعتبرون أن قصارى ما حصل في كتابات أركون هو عملية استعراض لمعرفته بجديد تلك المناهج دونما قدرة على تفعيل كثير منها في مشروعه.

كما أن النص الأركوني في مجمله نص مترجم من الفرنسية إلى العربية، وقد بذل مترجمه قدرة كبيرة في تطويع الجهاز المفاهيمي الغربي ونقله إلى العربية، وقد لقيت هذه الترجمة قبول كاتب النص الأصلي وإعجابه، وهي مع ذلك لم تسلم من نقد وُجِّه إليها من بعض النقاد الحداثيين؛ فطرابيشي يتردّد في فهم بعض سياقات أركون ويقول: «ولسنا ندري من يتحمل مسؤولية هذا الالتباس: أهو المؤلف نفسه أم مترجمه؟». [من النهضة إلى الردة 145].

لكن الزاوية الأهم التي أبديت حول ترجمته أن المترجم ربما مارس نوعاً من التخفيف لحدة الأفكار التي كان يطرحها أركون، وهذا ما جعل المفكر التفكيكي علي حرب-بالرغم من تقديره للجهد الذي بذله صالح في ذلك- أن يقول: «المهم أن تفسير صالح يقوّض مشروع أركون من أساسه وينسف مهمته النقدية ... لاشك أن قراءة صالح للنص الأركوني تشكل حجباً للواقع والحقيقة، وهو حجب مضاعف؛ لأنه حجب لما أراد أركون معرفته والكشف عنه». [نقد النص65 - 67].

إلاّ أن هذه التحفظات التي أُبديت حول ترجمته لا تقلل من شأنها-حتى عند منتقديه- خصوصاً أنها لقيت قبولاً من أركون نفسه، كما أن هاشم صالح إن مارس تخفيفاً لبعض أفكار النص الأصلي في بعض المواطن فإن أفكار أركون لن تساعده في مواطن أخرى من كتبه.

وإذا تجاوزنا مسألة الترجمة، وانتقلنا إلى مسألة طبيعة الخطاب فأركون يتراوح نصه بين الوضوح تارة والغموض تارة أخرى خصوصاً كلما اقتربنا من المناطق الخطرة، وهذا ما جعل أدونيس يقول: «إن أقرب مفكر على ملامسة هذه المسلمات، ولكن بشكل مداور وغير مباشر هو محمد أركون ... إن محاولة أركون تحتاج إلى مزيد من الجرأة، وإلى مزيد من التوسّع، وإلى مزيد من البناء على الأطروحة التي يقدمها، وهو يعترف بذلك، وأنا ناقشته أكثر من مرة، ولديه خشية من أن يؤدي ما يقوله إلى أن يدفع حياته ثمنا لذلك، وهو ليس مستعداً كما قال لي، ليدفع هذا الثمن». [الحداثة وانتقاداتها إعداد محمد سبيلا وعبدالسلام بنعبد العالي (ص90)].

ويشير إلى هذا المعنى علي حرب عندما يتحدث عن موقف أركون من موضوع القرآن حيث يقول: «يبدو لي أن أركون يتردّد في الإجابة، إنه يجيب كل مرة إجابة مختلفة، تُنبي عن الحرج والخشية في مواجهة هذه المشكلة الحسّاسة، بل هو يلجأ إلى الحيلة والمداورة، بمعنى أنه يجيب ولا يجيب ... » [الممنوع والممتنع 119].

ولكننا بالرغم من ذلك نستطيع القول: إن أركون من خلال مجموع كتبه استطاع أن يقول أغلب ما لديه على أقل تقدير.

وحتى تتضح الملاحظة السابقة فللقارئ أن يلاحظ إشكالية الوضوح في هذا الحوار الذي يقول فيه أحد محاوري أركون: «هل أنت مستعد لأن تضع موضع الشك ولو آية واحدة من القرآن طبقاً لما فعلته منذ لحظة؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير