[إضاءات حول الهيرمينوطيقا]
ـ[أحمد بوعود]ــــــــ[17 Nov 2010, 07:26 م]ـ
إلى فضيلة الدكتور هشام عزمي حفظه الله
أقتطف هذه الفقرات من بحث موسع لي بصدد إنجازه علها تشفي غليل كل من يريد التعرف على موضوع الهيرمينوطيقا، ومعذرة إن كانت هذه الفقرات مرتجلة أو مضطربة. أرجو أن تحصل الاستفادة.
[إضاءات حول الهيرمينوطيقا]
أو الهيرمينوطيقا وعبور فجوة الزمان
يعتبر الحداثيون الهيرمينوطيقا الجواب الفلسفي عن جدلية العلاقة بين النص والواقع، لأنها أسلوب للفهم يعبر بالقارئ الفجوة التاريخية بين واقعه وواقع النص، فكيف يتحقق هذا العبور؟
1 - تعريف الهيرمينوطيقا
يذهب معظم الدارسين إلى كون الهيرمينوطيقا أخذت من "هرمس" الإله والرسول الذي كان يعبر المسافة بين تفكير الآلهة وتفكير البشر، كما هو موجود في الأساطير اليونانية، ويزود البشر بما يعينهم على الفهم وتبليغه [1] ( http://tafsir.net/vb/#_ftn1). وتعني كلمة hermé اليونانية القول والتعبير والتأويل والتفسير [2] ( http://tafsir.net/vb/#_ftn2)، وهي كلها دلالات متقاربة. وقد ظهرت كلمة "هيرمينوطيقا" لأول مرة سنة 1654 في عنوان كتاب لدانهاور [3] ( http://tafsir.net/vb/#_ftn3).
وفي علم اللاهوت تدل الهيرمينوطيقا على فن تأويل وترجمة الكتاب المقدس، فالتأويل هو "العلم الديني بالأصالة والذي يكوّن لب فلسفة الدين ... ويقوم عادة بمهمتين متمايزتين تماما:
1 - البحث عن الصحة التاريخية للنص المقدس عن طريق النقد التاريخي،
2 - وفهم معنى النص عن طريق المبادئ اللغوية" [4] ( http://tafsir.net/vb/#_ftn4).
من هنا نستنتج أن الهيرمينوطيقا، أو فن التاويل، ليست بالشيء الجديد، وإنما يمكن اعتبار نشأتها بنشأة التفكير الإنساني، فهذا جادمير يخبرنا أن أرسطو هو أول من وضع معالم التجربة التأويلية داخل مذهب القانون من خلال مناقشته لمشكل القانون الطبيعي ومفهوم الـ epikeia في "الأخلاق إلى نقيوماخوس" [5] ( http://tafsir.net/vb/#_ftn5). لكن حصل تطور كبير لهذا المصطلح بتطور مراحل التفكير البشري، ومع كل مرحلة تأخذ الهيرمينوطيقا تعريفا يتناسب وخصائص ذلك التفكير. فما هي أهم تعريفات الهيرمينوطيقا؟ وما هي السمات المميزة لكل تعريف؟
في القديم، كانت الهيرمينوطيقا منهج تفسير للكتاب المقدس وأصوله وأحكامه كما نجد عند القديس أوغسطين صاحب "تعقل كي تؤمن" و"تؤمن لكي تعقل" [6] ( http://tafsir.net/vb/#_ftn6). لكن مع نشأة المذهب العقلي نشأ المنهج التاريخي في اللاهوت، وأكدت المدرسة اللغوية والتاريخية في التفسير أن المناهج التأويلية السارية على الكتاب المقدس هي بعينها المناهج السارية على غيره من الكتب، وأن المعنى اللفظي في الكتاب المقدس أنه يتحدد بالطريقة نفسها التي يتحدد بها في بقية الكتب؛ فقد كانت مادة الهيرمينوطيقا جزئية وسطحية استعملت لغايات تعليمية تمثلت في تفسيرات النصوص التي تعمل على تسهيل فهم الكتابات المقدسة. يقول جادمير: "تدل الهيرمينوطيقا في علم اللاهوت (التيولوجيا) على فن تأويل وترجمة الكتاب المقدس (الأسفار المقدسة) بدقة، فهو في الواقع مشروع قديم أنشأه وأداره آباء الكنيسة بوعي منهجي دقيق" [7] ( http://tafsir.net/vb/#_ftn7).
وعلى هذا فإن الهيرمينوطيقا حينما تطلق فإنها تعني المنهج الفقهي اللغوي والذي ساد في تفسير النصوص الدينية. وإذا أردنا التعرف على ملامح هذا المنهج فإننا نجدها تتمثل في المستويات الأربعة للمعنى التي بلورها القديس توما الأكويني وهي:
1 - المعنى الحرفي، أو التاريخي، ويُقصد هنا القصة المحكية.
2 - المعنى الرمزي الاستعاري، فالعهد القديم يشير إلى العهد الجديد.
3 - المعنى الباطن، أو الصوفي، قيمة الرسالة عند خاتمة الإنسان.
4 - المعنى الخلقي، أي الوعظ.
¥