[قراءة في كتاب "وثاقة نقل النص القرآني الكريم" لـ د. محمد حسن حسن جبل]
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[15 Oct 2010, 08:10 ص]ـ
http://www.tafsir.net/up/uploads/12871193031.gif
قراءة في كتاب "وثاقة نقل النص القرآني الكريم"
السؤال المفخخ: كيف نقل إلينا القرآن؟
عرض: ممدوح الشيخ
فجأة أطلق أحد رجال الكنيسة الأرثوذكسية القبطية بمصر تساؤلا، هو أقرب إلى الاتهام، أثار ردود فعل غاضبة داخل مصر وخارجها؛ لكونه يمس عصمة القرآن الكريم. التساؤل الذي طرحه القس بيشوي يدور حول ما إذا كانت آيات قد أضيفت إلى القرآن الكريم، في إشارة إلى الآيات التي تتعلق بالمسيح والعقائد النصرانية في الصلب والتثليث والقول بألوهية نبي الله عيسى عليه السلام.
ورغم أن التساؤل له سياقه السياسي في الواقع المصري الذي يشهد توترات في العلاقة بين المسلمين والمسيحيين يرجعها كثير من المتخصصين في الشأن القبطي إلى الطموحات السياسية للبابا شنودة الثالث الذي تولى منذ ما يقرب من أربعين عاما. وقد شهد عهده حالة من الصراع لم تكد تنقطع بسبب المنحى الطائفي الذي اتخذته كنيسة الإسكندرية منذ توليه، فضلا عن أن مؤشرات قوية تشير إلى أنه سعى بشكل مخطط؛ لأن تصبح الكنيسة دولة داخل الدولة، أو على الأقل أن تحتكر التمثيل السياسي للمسيحيين.
وأيا كانت السياقات التي يمكن وضع تصريحات القس بيشوي فيها فإن تساؤله يظل من الناحية العلمية شبهة ينبغي الرد عليها بوضوح وبلغة علمية موضوعية؛ حتى لا يكون الاحتجاج والاعتراض الرد الوحيد على تساؤله المفخخ الذي يكاد أن يكون اتهاما بتحريف المصحف.
من فم الرسول لمصحف عثمان
وقبل أشهر من هذا التصريح الذي أثار غضبا واسعا صدر في القاهرة كتاب يجيب بحقائق جديدة وبلغة علمية رصينة عن التساؤل، فرغم إيماننا بأن الله سبحانه وتعالى تكفل بحفظ القرآن كما في قوله تعالى: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" (سورة الحجر: 9)، فإن الرد على شبهات غير المسلمين يقتضي الاستناد إلى "الوقائع" قبل "العقائد".
الكتاب عنوانه: "وثاقة نقل النص القرآني الكريم من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمته" (الناشر: دار الآداب – مصر- الطبعة الأولى 2010م) ومؤلفه الأستاذ الدكتور محمد حسن جبل الأستاذ غير المتفرغ بكلية القرآن الكريم (وأستاذ أصول اللغة بجامعة الأزهر). الكتاب عمل علمي رصين يحكي قصة نقل القرآن بالتتبع الدقيق للنقل الشفاهي والكتابي وقت النزول وفي حياة الرسول حتى "مصحف عثمان" عبر ما يقرب من أربعمائة صفحة.
الباب الأول يتناول النقل الشفاهي عبر عشرة فصول تتضمن فصلا تمهيديا عن معنى التلقي والعرض. والقرآن أوحي إلى الرسول فأخذه بـ "التلقي" إما بسمعه أو بقلبه، وقد سجل القرآن الكريم مدى حرص الرسول على ترديد ما يتلقاه من وحي بلسانه توقيرا له وليثبت معناه في نفسه، فنهاه الله عن ذلك، قال تعالى: "لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه". (سورة القيامة: 16 - 17). وحفل القرآن بأمر واضح من الله للنبي بأن يتلو القرآن على أمته؛ فكانت تلك الوسيلة الأولى لتبليغ الوحي للمؤمنين.
وكانت الصورة المثلى لتحقيق التلقي بمعناه الكامل: "الإقراء" و"العرض"، فكان الرسول يُقرئ بعض الصحابة، ثم يسمع منهم ما حفظوا ليتأكد من صحة الحفظ وهو "العرض". وكان النبي نفسه يعرض القرآن على جبريل عليه السلام. وقد كان هناك قيد على معنى العرض هو أن يكون عن ظهر قلب، أي دون النظر في كتاب أو ما شابهه.
وقد حفظ لنا مؤرخو القراءات أسماء طبقة من الصحابة عرفوا بأن كلا منهم عرض القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم، بل إن هؤلاء كانوا مقسمين إلى طبقات بناء على معايير محددة .. فالصحابة الذين ورد ذكرهم في الطبقة الأولى عرضوا القرآن الكريم على الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم- حسب الإمام الذهبي- سبعة: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأبيّ بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت الأنصاري، وأبو موسى الأشعري، وأبو الدرداء عويمر بن زيد الأنصاري، رضي الله عنهم جميعا).
¥