تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من ذلك قوله تعالى: ?أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ? [النحل: 45 - 47].

ونجد في هذا السياق القرآني تعدِّي الفعل "أخذ" أولاً بحرف الجر (في)، في قوله: "أو يأخذهم في تقلبهم"، ثم العدول عنه إلى حرف الجر (على) في قوله: "أو يأخذهم على تخوف".

"لأن إيثار حرف الظرفية مع التقلب قصد به الإدلال على كمال القدرة الإلهية في الوصول بالانتقام إلى من يريد، مهما بدا للمأخوذ أنه في كمال القدرة والقوة، ذلك أن التقلب يعني حركة الحياة التي أقبل عليها مقترفوا السيئات مما يدل على أنهم في كامل صحتّهم وقوتهم، وكمال سلطانهم وجبروتهم، وهم في هذه الحال لا يستطيعون أن يفوتوا الله ويعجزوه هرباً لذلك تناسب مجيء الفاصلة القرآنية بعدها قوله: "فما هم بمعجزين" ().

وأما العدول إلى (على) في قوله: "أو يأخذهم على تخوف" "فإن الاستعلاء فيها يدل على أن الله زادهم عذاباً فوق عذاب الخوف وآلامه، وهو بلاء كان قد وقع بهم من قبل وأصابهم بأمراض الذعر والقلق وافتقاد الأمن والطمأنينة، ثم جاء عقابه وأخذهم بما اقترفوه بلاء فوق البلاء، وعذاباً على عذاب" ().

فيكون معنى الظرفية في حرف الجر (في) قد دّل على كمال قدرة الله في الأخذ والبطش، وأفاد معنى الاستعلاء في (على) الزيادة في التنكيل والعذاب، فكل حرف قد جاء في موضعه المناسب له، ولا يمكن أن يحل محله غيره.

وبهذا ندرك أن دلالة حروف الجر ليس في نفسها كما هو الحال في الأسماء والأفعال، وإنما تكتسب دلالتها من خلال تعالقها بنظم الكلام في السياق، ويظهر أثر السياق في تخصيص دلالة الحرف وتحديده.

فمعنى الاستعلاء في حرف الجر (على) قد يفيد في سياق الخير العلو والتفضيل والتشريف كما هو الحال في قوله تعالى: "وإنَّا أو إيّاكم لعلى هدى وفي سياق الأخذ والعذاب كما هو الحال في قوله: "أو يأخذهم على تخوف" أفاد شدَّة العذاب وزيادته، وكذلك حرف الظرفية (في) في قوله: "أو في ضلال مبين". أفاد معنى التسفل والسقوط؛ لأن السياق سياق ذم وتوبيخ لحالهم، وقد دلَّ على العكس من ذلك في قوله "أو يأخذهم في تقلبهم" إذ دلَّ على كمال القدرة في الأخذ والتعذيب؛ لأن السياق سياق إبراز قدرة وقوة. [/ font]

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير