تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[العدول في حروف المعاني مظهر من مظاهر الإعجاز البياني في القرآن الكريم "3"]

ـ[د عبدالله الهتاري]ــــــــ[24 Apr 2007, 12:09 م]ـ

ثانياً: العدول في حروف العطف:

لحروف العطف أهمية كبيرة في أداء وظيفة الربط في الجملة العربية، وتضفي هذه الحروف دلالات خاصة يكشف عنها السياق الواردة فيه، وقد قرر علماء اللغة أن لكل حرف دلالة عامة تختص به.

فقرروا أن حرف (الواو) يرد لمطلق الجمع. يقول سيبويه (): "قولك: مررتُ بعمروٍ وزيد. وإنما جئت بالواو لتضم الآخر إلى الأول وتجمعهما، وليس فيه دليل على أنَّ أحدهما قبل الآخر".

يقول الرضي في شرح الكافية (): "فقوله: (فالواو للجمع مطلقاً): معنى المطلق أنه يحتمل أن يكون حصل من كليهما في زمان واحد، وأن يكون حصل من زيد أولاً، وأن يكون حصل من عمرو أولاً، فهذه ثلاثة احتمالات عقلية، لا دليل في الواو على شيء منها، هذا مذهب جميع البصريين والكوفيين".

وذكروا أيضاً أن (الفاء) تفيد الترتيب والتعقيب يقول سيبويه () -في معرض التمييز بين (الواو) و (الفاء): (الفاء) وهي تضم الشيء إلى الشيء، كما فعلت (الواو) غير أنها تجعل ذلك متسقاً بعضه في إثر بعض، وذلك قولك: مررتُ بعمروٍ فزيدٍ فخالدٍ، وسقط المطر بمكان كذا وكذا، فمكان كذا وكذا، وإنما يقرو () أحدهما بعد الآخر".

وأما (ثَمَّ) فقد ذكروا أنها تفيد الترتيب مع التراخي، يقول المرادي (): "ثم حرف عطف يشرك في الحكم، ويفيد الترتيب بمهلة؛ فإذا قلت: قام زيد ثم عمرو، آذنت بأن الثاني بعد الأول بمهلة".

وقد علل السهيلي دلالة التراخي في (ثم) من دلالة اشتقاقها فقال (): "لا غرو أن يتقارب معنى الحرف من معنى الاسم المشتق المتمكن في الكلام، فهذه (ثم) حرف عطف، ولفظها كلفظ (الثَّم)، والثَّمُ هو رمُّ الشيء يعضه إلى بعض … وأصله من ثمَمْتُ البيتَ: إذا كانت فيه فُرَج فَسُدَّ بالثَّمَام ().

وقال الشاعر:

وَأَمَّا الرِّيَاحُ فقد غَادَرَتْ رَواكدَ واستَمْتَعتْ بالثُمام

والمعنى الذي في (ثُمَّ) العاطفة قريب من هذا، لأنه ضمّ الشيء إلى شيء بينهما مهلة، كما أن ثَمَّ البيت: "ضَمُّ بين شيئين بينهما فرجة".

فامتازت (ثم) عن (الواو) بالترتيب والمهلة، وعن (الفاء) بالتراخي في الزمن.

يقول سيبويه -مفرقاً بين هذه الأحرف الثلاثة (): "فإذا قلت: مررتُ برجل راكب وذاهب، استحقهما؛ لا لأن الركوب قبل الذهاب، ومنه: مررتُّ برجل راكب فذاهب استحقهما، إلا أنه بَيَّنَ أن الذهاب بعد الركوب، وأنه لا مهلة بينهما، وجعله متصلاً به، ومنه: مررتُ برجل راكب ثم ذاهب، فبيَّنَ أن الذهاب بعده، وأن بينهما مهلة وجعله غير متصل به، فصَّيَره على حِدَة".

والذي يهمنا في هذا الموضع هو المخالفة والمغايرة الحاصلة بين حروف العطف في السياق القرآني، والدلالات التي تنتج عن هذا العدول، وسيكون تناولنا للعدول في حروف العطف مقتصراً على أهمها وأكثرها وروداً في التعبير القرآني وهي (الواو) و (الفاء) و (ثم). وذلك لكثرة ورود العدول بين هذه الحروف، مما يدعو ذلك إلى التأمل في أسراره وما يحققه من دلالات تكشف عن جوانب الإعجاز في هذا القرآن.

ويتمثل العدول في هذه الحروف على النحو الآتي:

1 - العدول عن (الواو) إلى (الفاء) والعكس:

من ذلك قوله تعالى: ?وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً? [النازعات: 1 - 5].

فلقد عدل هذا السياق عن (الواو) في قوله: "والسابحات سبحا" إلى (الفاء) في قوله: "فالسابقات سبقا، فالمدبرات أمرا". ولو اطرد السياق على نمط واحد لكانت "والسابقات سبقاً والمدبرات أمرا".

ويمكننا فهم سر هذا العدول من تعليق الزمخشري على ذلك بقوله (): "أقسم سبحانه وتعالى بطوائف من الملائكة تنزع الأرواح من الأجساد، وبالطوائف التي تنشطها أي: تخرجها من نشط الدلو من البئر إذا أخرجها، وبالطوائف التي تسبح في مضيها، أي: تسرع فتسبق إلى ما أمروا به، فتدبر أمراً من أمور العباد".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير