تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[دراسات في علم المناسبة .. سورة النمل]

ـ[محمد المصري]ــــــــ[02 Nov 2007, 02:14 ص]ـ

[دراسات في علم المناسبة .. سورة النمل]

للشيخ رفاعي سرور

من قواعد علم المناسبة .. قاعدة ذكر الأنبياء وترتيبهم في السور.

وسورة «النمل» مثال واضح على هذه القاعدة؛ حيث ورد فيها ذكر جمعٌ من الأنبياء؛ هم «موسى، وداود، وسليمان، وصالح، ولوط، ومحمد صلى الله عليهم جميعًا»؛ حيث لا تجمع بينهم أي مناسبة أخرى؛ من عِرق واحد أو ترتيب زمني واحد أو مكان جغرافي واحد .. لكنهم يرتبطون -جميعًا- بعلامة الدابة التي ستخرج في آخر الزمان، ويمثل ذكر كل نبي جانبًا أساسيًّا في فهم هذه العلامة ..

عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تخرج الدابة ومعها خاتم سليمان بن داود، وعصا موسى بن عمران -عليهما السلام- فتجلو وجه المؤمن بالعصا، وتخطم أنف الكافر بالخاتم، حتى إن أهل الحواء ليجتمعون فيقول هذا: يا مؤمن، ويقول هذا: يا كافر» ([1]).

ولما كانت الدابة علامة من علامات الساعة اتجهت الآياتُ من بداية السورة إلى الحديث عن «الآخرة»؛ حيث جاء لفظ «الآخرة» في ثلاث آيات متوالية:

**طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ * هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ * أوْلَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ * وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} [1 - 6].

والتعقيب بقوله تعالى: {من لدن حكيم عليم} يدل على اتجاه السورة من البداية -أيضًا- نحو إثبات الحكمة والعلم في أفعال الله سبحانه وتعالى.

كما سيأتي ذكر الآخرة في قوله تعالى: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمِونَ} [66].

ذكر موسى عليه السلام:

فقد جاء مضمون قصة موسى -عليه السلام- مرتبطًا بالعصا «التي ستكون مع الدابة»؛ ذلك أن القصة بدأت بتكليم الله -عز وجل- لموسى عند جبل الطور: {وما تلك بيمينك يا موسى} [طه: 17].

قال تعالى: {إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [7 - 9].

وتجربة العصا –كما جاءت في سورة النمل– هي نفسها مضمون قصة موسى مع فرعون، وهي أيضًا أهم ما جاء في وصف الدابة؛ ليتأكد مدى جوهرية العلاقة بين ذكر موسى والدابة:

فكما كان فرعون -قبل بداية الصراع- بالنسبة لموسى منافع .. كانت العصا مع موسى. وكما تحوَّل فرعون إلى عدو يريد قتل موسى .. تحولت العصا إلى حية. وكما فرَّ موسى من فرعون .. كان فراره من الحية.

والآن يجب أن يعود موسى إلى الحية، بوعد من الله أن تعود إلى سيرتها الأولى؛ قال تعالى: {خُذْهَا ولا تَخَفْ سَنُعيِدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى} [طه: 21] ..

وكذلك يجب أن يعود إلى فرعون بوعد من الله؛ أن يحفظه من فرعون؛ قال تعالى: {لَن يَصِلُوا إلَيْكَ} [هود: 81]، وقال سبحانه: {لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى} [طه: 46].

وكما أعاد الله الحية عصا .. عاد فرعون عاجزًا عن قتل موسى.

لقد كان من المتوقع أن يقتل فرعون موسى بمجرد أن يراه؛ لكنه لا يزيد عن قوله: {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى} [غافر: 26]!!

بل يضع نفسه في مقارنة مع موسى، وهو ملك مصر: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين} [الزخرف: 51، 52]!!

وكأنه كان مضطرًا إلى هذه المقارنة!!

وبذلك كانت تجربة العصا –في سورة النمل– هي نفسها مضمون قصة موسى مع فرعون ..

ودليل هذا الفهم: أن الأمر الموجه إلى موسى من الله -سبحانه وتعالى- بالرجوع إلى العصا كان بصفته «من المرسلين»؛ قال تعالى:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير