[التجديد الأصولي .. مفهومه ومجالاته]
ـ[أبو حاتم]ــــــــ[23 May 2007, 08:36 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمد الشاكرين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وأصحابه الغر الميامين، ومن سار على منهجهم إلى يوم الدين. أما بعد:
فإن من المعلوم أن هذا الموضوع له حساسية مفرطة لدى بعض الباحثين، مما يجعلهم يرفضون كل ما يتسم بالتجديد جملة وتفصيلا بموجب وبلا موجب. وسبب ذلك هو ضبابية هذا المصطلح، وعدم تحريره، وضبط آلياته. كما أن بعض المرددين له والداعين إليه هم من الدخلاء في هذا العلم.
واختلاف المفاهيم في تحرير هذا المصطلح؛ هو الذي أدى إلى توسيع دائرة النزاع بين الباحثين؛ لعدم تحرير محل البحث وضبط المصطلح، والتجديد في علم الأصول لا بد أن ينطلق من أساس علم الأصول ومحكماته، وإلا كان تجديدا فاقدا للثقة والمصداقية.
مفهوم التجديد الأصولي
حدد البوطي مفهوم التجديد الأصولي بما يلي: (تجديد الانضباط بقواعده وأحكامه، وإصلاح ما تصدع من بنيانه، وتمتين ما وهى من دلائله، وسد ما تفتح من ثغرات في مفاهيمه، ونفض ما غشى عليه من غبار النسيان له والإعراض عنه، وعرض مضمونه بأسلوب أكثر جدة وأيسر فهماً) ([1]).
ومفهوم التجديد الأصولي المقبول: هو إبراز القواعد الأصولية للمستفيد، وتأصيلها بالأدلة الشرعية، وتصفيتها من كلّ ما علق بها مما ليس منها، وكل ما اتصل بها ولم يثمر فرعا.
وأما التجديد حول المعاصرة والأسلوب، فإنه يدخل تبعا لا استقلالا، فمن فاته الأصل لم ينتفع بالفرع، وإن صيغ له بأبدع الأساليب.
فإن مفهوم التجديد إذا لم يخدم الهدف والغاية التي لأجلها وضع علم الأصول، لم تكن الدعوة إليه ذات قيمة وفائدة، لذا لا بد أن يرتبط المفهوم بالغاية من هذا العلم، وغاية هذا العلم: كيفية استنباط الحكم من نص الشارع.
وعليه لا بد أن تكون قواعد هذا العلم سهلة الملتمس قريبة المأخذ لمن رغب في الاستنباط، فإن الناظر في مجمل كتب الأصول يجد مفاوز شاسعة - من التنظير والجدل - بينه وبين القاعدة الأصولية؛ لهذا أصبحت القواعد في كثير من الأحيان مشوّشة، غير واضحة المعالم، ولا بيّنة الدلائل؛ لكثرة ما علق بها، ولهذا قيل عن علم الأصول: دونه خرط القتاد.
ومفهوم التجديد السابق يتلخص في أمرين:
الأول: حاجة القاعدة الأصولية إلى الأدلة.
قال ابن تيمية (ت:728هـ): (الأصوليون يذكرون في مسائل أصول الفقه مذاهب المجتهدين كمالك؛ والشافعي؛ والأوزاعي؛ وأبي حنيفة؛ وأحمد بن حنبل، وداود ومذهب أتباعهم؛ بل هؤلاء ونحوهم هم أحق الناس بمعرفة أصول الفقه؛ إذ كانوا يعرفونها بأعيانها ويستعملون الأصول في الاستدلال على الأحكام بخلاف الذين يجردون الكلام في أصول مقدرة، بعضها وجد، وبعضها لا يوجد، من غير معرفة أعيانها.
فإن هؤلاء لو كان ما يقولونه حقا فهو قليل المنفعة أو عديمها؛ إذ كان تكلما في أدلة مقدرة في الأذهان لا تحقق لها في الأعيان كمن يتكلم في الفقه فيما يقدره من أفعال العباد وهو لا يعرف حكم الأفعال المحققة منه فكيف وأكثر ما يتكلمون به من هذه المقدرات فهو كلام باطل) ([2]).
فابن تيمية – رحمه الله - يشير في صدر كلامه على أهمية ربط الأصول بأدلتها؛ فأحق الناس عنده بمعرفة هذا العلم هم أعرفهم بالأدلة الشرعية؛ ونقده لأصول المتأخرين في آخر النص يدل على ذلك، بل ذَكر أن حقيقة علم الأصول = هي معرفة هذه الأدلة؛ لهذا فإن الأصولي حقًا هو من أدرك هذه الأدلة على الإجمال، كما يصرح بذلك في موطن آخر ويقول: (فإن الكلام في أصول الفقه وتقسيمها إلى: الكتاب، والسنة، والإجماع، واجتهاد الرأي، والكلام في وجه دلالة الأدلة الشرعية على الأحكام: أمر معروف من زمن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان؛ ومن بعدهم من أئمة المسلمين وهم كانوا أقعد بهذا الفن وغيره من فنون العلم الدينية ممن بعدهم) ([3]).
وغياب الأدلة في كتب الأصول أنتج بالضرورة بناء هذه القواعد على غير أصولها، وفي ذلك يقول ابن تيمية:
(إن من له مادة فلسفية من متكلمة المسلمين - كابن الخطيب وغيره - يتكلمون في أصول الفقه الذي هو علم إسلامي محض؛ فيبنونه على تلك الأصول الفلسفية) ([4]).
¥