تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أشار السيوطي () إلى أن (في) هنا بمعنى (من) فقوله: "في كل أمة"، أي: (من كل أمة)، ويكون قوله حينئذ: (من أنفسهم) "تكراراً له، ويرى الباحث أن القول بتناوب الحروف خروج عن تذوق البيان، ومعرفة إعجاز القرآن.

والذي يظهر -والله أعلم- أن هذا السياق القرآني يقرر الشهادة على مرحلتين: الأولى: مرحلة بعث الشهداء من أممهم، فمن كل أمة يخرج الله شهيداً منها، وهذه مرحلة بعث وإخراج فقط، ثم تأتي المرحلة الأخرى والأهم، وهي مرحلة إدلاء الشهادة، فيدلي كل شهيد على وجه الخصوص بشهادته على أمته، والشهداء هم الرسل والأنبياء، لذا كانت هذه المرحلة أشد من سابقتها على الشهداء والمشهود عليهم؛ لأنها إدلاء بالشهادة وتقرير بحكم، لذلك ناسب فيها التأكيد والإطناب في تفصيل جنس هؤلاء الشهداء فهم (في كل أمة)، فأفاد حرف الجر (في) الظرفية والمخالطة والانغماس، فكل شهيد من هؤلاء قد خبر قومه وعرفهم وخالطهم فهو منهم، وفيهم قد عاش ودرج، فكانت (في) أدل على هذا المعنى من غيرها.

وأمعن السياق القرآني في تأكيد الشهادة وأنها شهادة إدلاء بقوله أيضاً: "شهيداً عليهم وقوله أيضاً: "من أنفسهم"، في حين لم يذكر ذلك في الآية السابقة، إذ اكتفى بالقول: "ويوم نبعث من كل أمة شهيداً" فحسب.

ومنه قوله تعالى: ?هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ? [النحل: 10].

وكان يقتضي السياق أن يطرد على نسق واحد فيقول: "ومنه تسميون" لكنه عدل عن (من) إلى (في) لدلالة أوضحها ابن عاشور بقوله (): "والشّجر: يطلق على النبات ذي الساق الصلبة، ويطلق على مطلق العشب والكلأ تغليباً، وروعي هذا التغليب هنا؛ لأنه غالب مرعى أنعام أهل الحجاز؛ لقلة الكلأ في أرضهم، فهم يرعون الشعاري والغابات، وفي حديث "ضَالَّةُ الإِبلِ تَشْرَبُ الماءَ وترعى الشَّجَرَ حتى يأتيَها ربُّها" ()، ومن الدقائق البلاغية الإتيان بحرف (في) الظرفية، فالإسامة فيه تكون بالأكل منه والأكل مما تحته من العشب".

وقد فهم ابن عاشور هذا المعنى الدقيق لحرف الجر (في) من معرفته بحياة بادية الحجاز التي تنزل فيها القرآن، فجاء المقال موافقاً تمام الموافقة لمقتضى الحال.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير