ـ[محمد كالو]ــــــــ[25 Jul 2007, 01:04 ص]ـ
وسورة الكهف اشتملت على أربعة قصص، وكلها يربطها محور واحد، وهو أنها تجمع الفتن الأربعة في الحياة:
1 ـ فتنة الدين (قصة أهل الكهف).
2 ـ فتنة المال (قصة صاحب الجنتين).
3 ـ فتنة العلم (قصة موسى عليه السلام مع الخضر عليه السلام).
4 ـ وفتنة السلطة (قصة ذي القرنين).
وهذه الفتن شديدة على الناس، والمحرك الرئيس لها هو الشيطان الذي يزيّن هذه الفتن، ولذا جاءت هذه الآية في وسط السورة، قال الله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِن الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا) (الكهف: 50. (
ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقراءة فواتح سورة الكهف على الدجال، وفي بعض الروايات خواتيمها، وذلك بقراءة عشر آيات من أولها أو آخرها. وقد جاء في حديث النواس بن سمعان الطويل، وفيه (من أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف) رواه مسلم
وروى مسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال) أي من فتنته.
لأنه سيأتي بهذه الفتن الأربعة ليفتن الناس بها.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا تشهد أحدكم، فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال) رواه مسلم.
وقصص سورة الكهف الأربعة، تتحدث عن الفتن الأربعة، كل قصة تتحدث عن إحدى هذه الفتن ثم يأتي بعده تعقيب بالعصمة من الفتن:
1 ـ فتنة الدين:
قصة الفتية الذين هربوا بدينهم من الملك الظالم، فآووا إلى الكهف حيث حدثت لهم معجزة إبقائهم فيه مدة ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعاً حتى أصبحت القرية كلها على التوحيد.
بعد ذكر القصة تأتي آيات تشير إلى كيفية العصمة من هذه الفتنة (فتنة الدين) قال الله تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا * وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا) (الكهف: 28 – 29).
فالعصمة من فتنة الدين تكون بالصحبة الصالحة وتذكر الآخرة.
2ـ فتنة المال:
قصة صاحب الجنتين الذي آتاه الله كل شيء، فكفر بأنعم الله وأنكر البعث فأهلك الله تعالى الجنتين. ثم تأتي العصمة من هذه الفتنة، قال الله تعالى: (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا * الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) (الكهف: 45 و46).
والعصمة من فتنة المال تكون في فهم حقيقة الدنيا وتذكر الآخرة.
3ـ فتنة العلم:
قصة نبي الله موسى عليه السلام مع الخضر عليه السلام، لما ظن موسى عليه السلام أنه أعلم أهل الأرض، أوحى الله تعالى إليه بأن هناك من هو أعلم منك ياموسى، فذهب للقائه والتعلم منه فلم يصبر على ما فعله الخضر عليه السلام، حينما لم يدرك الحكمة في أفعال الخضر عليه السلام، وإنما أخذ بظاهرها فقط.
وتأتي آية العصمة من هذه الفتنة، قال الله تعالى: (قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا) (الكهف: 69).
والعصمة من فتنة العلم هي بالتواضع وعدم الغرور بالعلم.
4 ـ فتنة السلطة:
قصة ذي القرنين الذي كان ملكاً عادلاً يمتلك العلم وينتقل من مشرق الأرض إلى مغربها، ويدعو إلى الله تعالى وينشر الخير، حتى وصل إلى قوم خائفين من هجوم يأجوج ومأجوج، فأعانهم على بناء سد لمنعهم عنهم وما زال السدّ قائماً إلى يومنا هذا.
وهنا تأتي آية العصمة، قال الله تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِين ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) (الكهف: 103 و104).
فالعصمة من فتنة السلطة هي الإخلاص لله في الإعمال وتذكر الآخرة أيضاً.
ختام السورة:
آخر آية من سورة الكهف تركّز على العصمة الكاملة من الفتن بتذكر اليوم الآخر، قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)) الكهف: 110).
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ونعوذ بك من فتنة المسيح الدجال.