يلجأ الشاعر إلى الزحافات ليتخلّص من رتابة الوزن الشعري،و ليزيّن النص الشعري، و يسارع في بنية القصيدة، من خلال حذف متحرك أو ساكن، و كأنذ الشاعر يكون في حالة ضيق و يريد أن يخفف من سطوتها بالخبن، فالشاعر في المقطع الأوّل يلجأ إلى الخبن و لاطي بنسبة5:4إلى الصحيح بالإضافة إلى ما يعتري ضرب السطر الشعري من علل (تفعيلات غير صحيحة)، خاصّة عندما يلجأ إلى و صف تلك المدينة بظاهرها الخيّر و باطنها المظلم.
قلنا أنّ الشاعر قلّما يلجأ إلأى ضرب من السريع صحيح في بنية القصيدة العروضيّة، لغرضين، أولاهما: ليوحّد بين الفقرات الشعريّة، انظر المقطع الأوّل (أشجارها ... صفره) فيحاول الشاعر أن ينقلنا بسرعة إلى السطر الجديد حتّى لا يقطعنا فكرياً عنه و كأنّه شيء جديد.و ثانيهما: أن الشاعر – كما قلنا – يناسب بين مضمون الأسطر الشعريّة، وقد عرفناه، و نهاية السطر الشعريّ.
في المقطع الأوّل لجأ الشاعر إلى الخبن والطيّ بنسبة 2:9 إلى الصحيح، قد يكون السبب وراء ذلك أنّ الشاعر أراد أن يتحدث عن واقع العراق بإفاضة من خلال التفعيلات الصحيحة، و إن كانت حالته النفسيّة متأزّمة إلّا أنّ الإغراق بالوصف عندما أدخل لوحة الحقل حين شبّه سماء جيكور بالحقل عند الغروب يدفع الشاعر بالإفاضة والاستمرار بالوصف دون عرقلة عروضيّة.
أمّا المقطع الثالث وهو خلاصة الحديث بالنسبة إلى الشاعر فالطيّ و الخبن كان بنسبة 7:11 إلى الصحيح، فالشاعر في المقطع الثالث بعدما غلبت النظرة التشاؤميّة و خيبة الأمل في النهوض عليه كانت حالته النفسيّة لا يرثى لها، لذا فالسطران الآخرآن في المقطع كان تقطيعه العروضيّ:
ب ــ ب ــ / ــ ب ب ــ
ــ ب ب ــ / ـــ ب ــ
فالشاعر في المقطع الثالث يحاول أن يتخلّص من ذلك الشعور بسرعة، فلجأ إلى ما لجأ إليه لا على صعيد البنية العروضيّة فقط، و إنّما على الأصعدة السابقة و اللاحقة. فقد نجح الشاعر في توظيف البنية العروضيّة أيّما نجاح.
النظرة الشموليّة للنصّ الأدبيّ
... رسم توضيحيّ لبناء القصيدة التقابليّ يوضّحه الشرح القادم:
العراق:
3 2 1
يبني الشاعر قصيدته أوّلاً على المفارقة بين المدينة و جيكور، مسقط رأس الشاعر، التي جعلها رمزاً أدبيّا، بعد أن وظّفها في شعره خير توظيف، وعلى الرغم من تلك المفارقة إلّا أنّ النظرة التشاؤميّة السيّابيّة هي التي سيطرت على النص الشعريّ، فما يكاد ينفذ إلى جانب خير و عطاء من نور أو زهر حتّى يسارع بما يعرقل ذلك الجانب. قد تمثّل تلك النظرة التشاؤميّة واقع العراق – بلا شكٍّ – بما فيه من قوى تهدم العراق، ذلك لأنّه شيوعي، و شيوعيّته هذه تدفعه أن يكون من أنصار المذهب الواقعيّ، الذي لا بدّ و أن يعبّر عن واقعه العراق. فالشاعر، إذن، يحاول أن ينقل إلينا صورة العراق الحاليّة، و لكن بشيءٍ من الجمال و الإبداع حين يبنيه على المفارقة بين المدينة و جيكور، منتصراً لجيكور (بلده الريفي). لذا فالقصيدة جزءان في ثلاثة مقاطع. يقول:
أشجارها دائمة الخضرة
كأنّها أعمدة من رخام
لا عري يعروها و لا صفره
يطالعنا الشاعر منذ البداية بعنوان القصيدة، و ينقل إلينا من خلال المقطع الأوّل إحساسه تجاه المدينة، فالمدينة أشجارها خضراء تشبه أعمدة الرخام،معتمداً على الجملة الاسميّة في الوصف، لا حظ كيف ينقل الشاعر إلى القارئ أنّ الفقرة الشعريّة السابقة فقرة ذات مضمون واحد من خلال الروي، بدأ بالهاء و انتهى بها، معتمدا في الفقرة الأولى على التشبيه، و مع ذلك يقول:
و ليلها لا ينام
يُطلع من أحداقه فجره
شخّص الشاعر الليل، يشعر بالقلق و الأرق، لا يعرف النوم، و كأنّه يحاول أن يبحث عن النور (يُطلع) بقوّة و صعوبة فلا يستطيع، لذا لجأ إلى الفعل الرباعي المتعدي، و استخدم الفجر و معناه النور، فالنور لا يأتي إلى المدينة بالأصل. من خلال هذا المقطع ينقل إلينا الشاعر ما يشعر به تجاه المدينة، فالمدينة بما يتخللها من مظاهر الترف لا تعرف للراحة طريقاً، بل لا يوجد عندهم ما يشعر بالأمل و الخير و المستقبل. فإذا كانت أشجار المدينة خضراء على مرّ الفصول، جيكور: لكنّ في جيكور
للصيف ألواناً كما للشتاء
¥