تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الوالد رحمه الله الذي تفرس بابنه بفراسة المؤمن الذي ينظر بنور الله حين وقعت فراسته موقعها، ووافقت تقادير المولى الكريم، وكأنه محدث ملهم كسيدنا عمر ابن الخطاب صاحب (الموافقات) فكان أن حمله على مركب الصدق والأمل، وطار به من غير جناح إلى دار الحديث الأشرفية في دمشق العصرونية سنة (1920 م تقريباً) ووقف بين يدي الولي العارف بالله تعالى محدث الدنيا الشيخ (بدر الدين الحسني) رضي الله عنه، وهناك المفاجأة الكبرى والكرامة العظمى، والتخصص الإلهي، والإكرام الرباني، حيث نطق والده الشيخ قائلاً: يا شيخ بدر الدين لقد أتيت بولدي (محمود) خادماً وتلميذاً لك

فقال الشيخبدر الدين) رحمه الله: تريد أن تعرفني على (محمود) وأنا كنت أربيه وهو في صلب جده. ما شاء الله، لله درك يا شيخ (بدر الدين) فأنت صاحب السر القوي المتين. فهنا امتلأت مآقي والد الشيخ بدموع باردة دلالة على الفرح والسرور، وتدحرجت على خديه حتى اخضلت لحيته بالدموع البراقة الفرحة، وكأنها سطرت للدنيا كلها وكتبت: بدر الدجى شمس الضياء أجتمعا بارعة الدنيا بنور لمعا وبدأ شيخنا رحمه الله من نعومة أظفاره وفي زهرة ربيعه يتلقى العلوم ويرتشفها ووعاؤه طاهر طيب، ومعينه عذب لم تكدره الدلاء، فكان كما قال: كنت أشعر يوم ذاك وكأن العلوم أرتشفها ارتشافاً، وأستوعبها استيعاباً،وقد رزقني المولى قوة على المطالعة، وبديهية على فهم المسائل، وقدرة على الحفظ والإتقان. ولما سألناه مرة عن طريقة سليمة لحفظ المتون حيث كنا نجد مشقة في حفظ ألفية ابن مالك، فأرشدنا يومها إلى طريقة سلسة رائعة للحفظ فقلنا بأدب مسترشدين ومستوضحين: كيف حفظت الألفية يا مولانا؟ فقال: لقد حفظتها في عشرة أيام على التمام والكمال، حيث كنت احفظ كل يوم مائة بيت منها، وكان هذا كله درساًعملياً وتوجيهياً لنا لشد الهمة على الحفظ والدرس. وبعد أن مضى على الشيخ (محمود) في دار الحديث سنتان، جاء رجل من بلدة حمص اسمه أبو النصر خلف ابن الشيخ سليم خلف ـ وكان الشيخ (محمود) يحفظ الألفية، ألفية ابن مالك فسأل الرجل الشيخ (محمود): ماذا تحفظ؟ فأجابه: ألفية ابن مالك. فقال له: كيف تعرب (زيدٌ كريم ٍ)؟ فأجابه الشيخ (محمود): الصواب (زيدٌ كريمٌ) لأنها مبتدأ وخبر. فقال له الشيخ أبو النصر خلف: تصح (زيدٌ كريم ٍ) لأن إعراب زيد ـ مبتدأ، والكاف اسم بمعنى مثل ـ هي الخبر، والريم اسم للغزال، فصار المعنى: زيد مثل الغزال. فقال له الشيخ أبو النصر خلف: سأدلك على أستاذ ليس له نظير على وجه الأرض في تعليم اللغة العربية! اسمه الشيخ (أبو الخير الميداني) وهو يدرّس في جامع التوبة، اذهب إليه والتزم درسه. فأجابه الشيخ (محمود): أنا لا التزم عند أحد حتى أستأذن أستاذي الشيخ (بدر الدين). فيقول الشيخ (محمود): صعدت إلى غرفة أستاذي المحدث الأكبر، وذكرت له ذلك، فأطرق الشيخ (بدر الدين) رأسه وهو يراقب على قلبه فترة من الوقت ربع ساعة تقريباً، ثم رفع رأسه وقال للشيخ (محمود): اذهب إلى الشيخ (أبي الخير) وقل له: أرسلني إليك (بدر الدين) وهو يسلم عليك. فذهب الشيخ (محمود) يسأل عن جامع التوبة وهو لا يعرف أين يقع الجامع ـ حتى دخل الجامع فوجد الشيخ (أبا الخير الميداني) وحوله حلقة تنوف عن أربعين طالباً، فسلّم عليه بصوت مرتفع ـ وكان الشيخ (أبو الخير) لا يحب أن يسلم عليه أحد أثناء الدرس، فيقول: إن الملك يقذف الكلام على لساني، فإذا تكلم أحد أثناء الدرس فإن هذا التجلي يذهب ـ فعندما شعر الشيخ (محمود) عدم رضى الشيخ (أبي الخير) بالكلام أثناء الدرس، استدرك قائلاً: إن مولانا الشيخ (بدر الدين) أرسلني إليك وأمرني أن أقرأ عليك اللغة العربية وهو يسلم عليك،فما كان من الشيخ (أبي الخير الميداني) إلا أن رد السلام واقفاً عند سماع الشيخ محمود قوله يسلم عليك الشيخ (بدر الدين)، وقال للشيخ (محمود) أدن مني واجلس بجانبي، وكان الشيخ (أبو الخير) يقرر أول درس من كتاب ابن عقيل شرح الألفية: قال محمد هو ابن مالك أحمد ربي الله خير مالك فجلس الشيخ (محمود) بجانب الشيخ (أبي الخير) ثلاثة أيام، ثم قال له: أتأذن لي أن أجلس تجاهك،لأن العين

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير