وهذان الحديثان الصحيحان حجة في ذلك وهذا بإجماع أهل الحديث رحمهم الله وغيرهم وهو الصواب
وذهب آخرون وهم الأكثرون إلى عدم الوضوء من لحوم الإبل واحتجوا بما روى عنه ــ في آخر الأمرين أنه ترك الوضوء مما مست النار. ولا حجة فيه فهذا اللفظ يخرج الإبل مما مست النار. وجاء في حديث جابر أنه أكل لحما ثم توضأ ثم أكل لحما ولم يتوضأ يحتمل أن هذا اللحم من الغنم وأشباهه
أما أكل لحم الإبل فهو غير داخل في ذلك ولم يثبت عن النبي صلى الله عيه وسلم ? أن آخر الأمرين ترك الوضوء من لحم الإبل وإنما هذا مما مست النار فهذا عام وحديث جابر بن سمرة وحديث البراء خاص والعام لا يقضى على الخاص، بل الخاص يقضي على العام على القاعدة والأصولية.
هذا عام وحديث جابر بن سمرة وحديث البراء خاص والعام لا يقضى على الخاص بل الخاص يقضى على العام على القاعدة الأصولية ... الخاص يقضى على العام.
ونظائر ذلك كثيرة قوله جل وعلا (وأحل لكم ما وراء ذلكم) في سورة النساء استثنى من هذا النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها خصت السنة الكتاب العزيز
كذلك قوله صلى الله عيه وسلم ? (زوروا القبور) خصصت السنة النساء إلى غير ذلك.
فالحاصل أن لحم الإبل ينقض لما ورد في هذين الصحيحين وإن خالفه من خالفه.
الحديث الثاني والثمانون: عن أبي هريرة رضي الله قال: قال النبي صلى الله عيه وسلم ? ((من غسل ميتا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ))
أخرجه أحمد والنسائي والترمذي وحسنه وقال أحمد: لا يصح في هذا الباب شيء.
احتج به بعض العلم على شرعية الغسل أو وجوبه من غسل الميت و استحباب الوضوء على من حمل الميت وذهب بعضهم إلى أن المراد الوضوء إذا أراد الحمل ليصلي على الجنازة
وأن المراد ومن أراد حمله فليتوضأ حتى يكون جاهزا للصلاة على الميت إذا قدم للصلاة. وهذا من باب التأويل والجواب عن هذا أن الحديث ضعيف ولا يحتج به وفي إسناده ضعف كما قاله الإمام أحمد وغيره
وأما الغسل فمستحب لأحاديث أخرى في الباب جاءت في الباب من حديث عائشة رضي الله عنها ......
كذلك حديث أسماء بنت عميس لما توفي النبي صلى الله عيه وسلم ? وصار الماء باردا استفتت الصحابة هل يجب عليها الغسل فأفتوها بعدم ذلك فدل على أن الغسل من غسل الميت معروف عندهم أنه مستحب وليس بواجب
من غسل ميتا سن له أن يغتسل والحكمة في ذلك والله أعلم أن تغسيل الميت قد يورث الغاسل انكسارا وضعفا وانحلال القوة بسبب غسل الميت وتذكر الموت وما وراء الموت من أمور الآخرة فيغشى الإنسان ضعف وانكسار وانحلال القوة فيكون الغسل جبرا لهذا الشيء وقوة بعد ضعف وتماسك كما يشرع الغسل بعد الجماع لما يحصل من الجماع من الضعف فينجبر بالغسل.
وهكذا الغسل من غسل الميت، وهكذا الغسل من الحيض والنفاس لأن الدم يضعف فيشرع الغسل بعد انقطاع الدم وحصول الطهارة جبر لما حصل من الضعف وتقوية للبدن بعدما حصل له من الإختلال والضعف
ولله حكم وأسرار في أحكامه قد تخفى على البشر مع العلم اليقيني أنه حكيم عليم وأن أحكامه سبحانه كلها على مقتضى الحكمة وأنه لا يشرع شيئا عبثا وإنما يشرع لحكمة بالغة
إن ربك حكيم عليم إن الله كان عليما حكيما سبحانه وتعالى
وبهذا يعلم أن لا يستحب الوضوء من حمل الميت لعدم صحة الحديث وأما الغسل فمستحب من تغسيل الميت.
واختلف العلماء هل يجب الوضوء أم لا يجب على قولين:
قال بعضهم يجب وروى عن بعض الصحابة.
وقال بعضهم لا يجب وهو محل نظر يبقى عدم الوجوب لأن الوجوب يحتاج إلى دليل إلا أن يكون مس عورة الميت فلو مس عورته فيجب الوضوء وإن كان المشروع أن لا يمسها بل يكون عليه خرقه يمسح بها العورة لا يمس العورة لكن لو قدر أن يده أخطأت أو أن جهل ومس العورة فيجب عليه الوضوء.
أما إذا كان غسل فقط فليس هناك نص واضح في وجوب الوضوء ولا وجوب الغسل بل يستحب الغسل إذا توضأ فمن باب أولى أن يتوضأ وأن يغتسل فهذا أكمل وأولى لما فيه من الإنجبار والطهارة التامة.
...
الحديث الثالث والثمانون: وعن عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنه: أن في الكتاب الذي كتبه الرسول صلى الله عيه وسلم ? لعمرو بن حزم (أن لا يمس القرآن إلا طاهر) رواه مالك مرسلا ووصله النسائي وابن حبان وهو معلول.
¥