للتحريم بل للكراهة. وإذا أمر بشيء ثم تركه دل على أن الأمر ليس للوجوب بل للاستحباب والندب.
مثلما نهى عن الشرب قائما ثم فعله فدل على أن الشرب قائما مكروه أو ينبغي تركه وأنه خلاف الأولى والشرب قائما جائز ومثل لما قام للجنازة ثم جلس فدل على أن القيام لها ليس بواجب إذا أمر به ثم جلس فدل على أنه ليس بواجب بل هو مستحب.
هكذا هنا قاله البخاري وجماعة من أهل العلم من المحدثين وغيرهم أن الحديث يدل على جواز الاستقبال والاستدبار في البناء. وأحاديث النهي تدل على الأفضل والكمال عدم الاستقبال وعدم الاستدبار في الصحراء والبناء جميعا، جمعا بين الروايات / وقال: آخرون بل الواجب عدم الاستقبال وعدم الاستدبار مطلقا. وحديث الفعل قد يكون خاصا وقد يكون قبل النهي يحتمل وقد يكون خاصا به صلى الله عيه وسلم وقد يكون قبل النهي.
فالجواب عن هذا أن الأصل عدم الخصوصية هذا هو الأصل في أفعاله ا صلى الله عيه وسلم لتأسي. وأما كونه قبل أو بعد هذا لا يوجب النسخ لأن التاريخ مجهول فوجب حينئذ أن يخص به العام لكن يدل على الجواز وأنه يدل على الأفضلية وأن ترك الاستقبال أولى بل ينبغي للمؤمن ألا يستقبل ولا يستدبر هذا هو الأولى والأفضل والأكمل ولكن لا يقال بتحريم ذلك في البناء مع فعل النبي صلى الله عيه وسلم له في البناء.
وأما حديث أنه رأى النبي e قبل أن يموت بسنة يستقبله فهذا فيه نظر عند أهل العلم في إسناده ضعف بالنسبة إلى الأحاديث الصحيحة وهو من رواية ابن إسحاق وإن كان ابن إسحاق لا بأس به ولكن ليس بمنزلة من روى أحاديث النهي وهي أحاديث عدة صحيحة في الصحيحين وغيرها. وهو محفوظ وهو باق ليس بمنسوخ ولكن يستحب في البناء عدم الاستقبال وعدم الاستدبار أخذا بالعموم، ويجب في الصحراء عدم الاستقبال وعدم الاستدبار أخذا بالعموم.
ولهذا في حديث أبي أيوب النهي عنه مطلقا. رواه السبعة أحمد رحمه الله وأهل الصحيحين والسنن الأربعة رحمهم الله كما تقدم ذلك في أول الكتاب. أي رووه مرفوعا للعلم به لأنه حديث معروف معروف مشهور لكن لو قال مرفوعا لكان أولى ولعله سقط من النسخة التي طبع عليها
والحاصل أن حديث أبي أيوب فيه النهي عن الاستقبال والاستدبار وهو مرفوع إلى النبي صلى الله عيه وسلم وهو من أصح الأحاديث وأضبطها وهو موافق لحديث سلمان وفيه زيادة النهي عن الاستدبار.
و. جاء هذا المعنى من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم أيضا وجاء هذا المعنى في أحاديث فهي كلها تدل على تحريم الاستقبال والاستدبار للقبلة حال قضاء الحاجة إلا أنه في البنيان ليس للتحريم بل للكراهة والترك أولى على قول جماعة من أهل العلم كالبخاري وغيره.
وهو موافق للأصول وهذا أولى وأحوط للمؤمن أن لا يستقبله مطلقا في البنيان، عملا بالاحتياط وأخذا بالقوى وفي حديث سلمان دلالة على أنه لا ينبغي الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار ولا الاستنجاء باليمين بل جاء في حديث أبي قتادة النهي عن ذلك عن الاستنجاء باليمين.
وهذا في الاستجمار إذا كان يكتفي به أما إذا كان يستعمل الماء فالأمر في هذا واسع إذا استجمر بواحدة أو ثنتين أو بثلاث فالأمر واسع، وأما إذا كان يجتزي بالحجر فلا بد من الثلاث فأكثر ولا يجزي أقل من ثلاثة وقد جاء في أحاديث أخرى عن عائشة رضي الله أن الإستطابة بثلاثة أحجار فأكثر تجزي عن الماء وتغني عن الماء.
(فإنها تجزئ عنه)
كما حديث عائشة رضي الله عنها وغيره
فالحاصل أن ثلاثة أحجار فأكثر تجزئ عن الإنسان إذا استطاب بها وأنقى المحل وإن لم تكفي استحب له أن يزيد رابعا فإذا أنقى الرابع استحب له أن يقطع على وتر على الخامس لحديث أم سلمة (فليوتر) فإذا أنقى بخامس فالحمد لله وإذا احتاج إلى السادس وأنقى به المحل استحب السابع ليقطع على وتر حتى يجمع بين الأحاديث
وإن اكتفى بالماء ولم يستجمر كفى الماء كما في حديث أنس المتقدم أنه استنجى بماء ولم يستجمر.
¥