التفسير الأول: أن المراد به الذم على ظاهره، تربت يداك أي لصقتا بالتراب من الفقر لا من الغنى، لأن العرب تقول ترب أي افتقر وأترب أي اغتنى وهو دعاء عليه إذا لم يظفر بذات الدين، فيصبح المعنى (فاظفر بذات الدين وإلا تربت يداك)
التفسير الثاني: أنه وإن كان ظاهره الذم إلا أنه أراد به المدح هنا
قال ابن حجر في الفتح:
قوله (تربت يداك)
أي لصقتا بالتراب وهي كناية عن الفقر وهو خبر بمعنى الدعاء , لكن لا يراد به حقيقته , وبهذا جزم صاحب " العمدة " , زاد غيره أن صدور ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم في حق مسلم لا يستجاب لشرطه ذلك على ربه , وحكى ابن العربي أن معناه استغنت , ورد بأن المعروف أترب إذا استغنى وترب إذا افتقر , ووجه بأن الغنى الناشئ عن المال تراب لأن جميع ما في الدنيا تراب ولا يخفى بعده , وقيل معناه ضعف عقلك , وقيل افتقرت من العلم , وقيل فيه تقدير شرط أي وقع لك ذلك إن لم تفعل ورجحه ابن العربي. اهـ
قال المباركفوري في التحفة:
(تربت يداك) قال الجزري في النهاية يقال ترب الرجل إذا افتقر أي لصق بالتراب وأترب إذا استغنى وهذه الكلمة جارية على ألسنة العرب , لا يريدون بها الدعاء على المخاطب , ولا وقوع الأمر به. قال وكثيرا ترد للعرب ألفاظ ظاهرها الذم , وإنما يريدون بها المدح كقولهم: لا أب لك , ولا أم لك , ولا أرض لك. ونحو ذلك انتهى.
وأما ما في صحيح مسلم:
- عن أنس بن مالك قال جاءت أم سليم وهي جدة إسحق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له وعائشة عنده يا رسول الله المرأة ترى ما يرى الرجل في المنام فترى من نفسها ما يرى الرجل من نفسه فقالت عائشة يا أم سليم فضحت النساء تربت يمينك فقال لعائشة بل أنت فتربت يمينك نعم فلتغتسل يا أم سليم إذا رأت ذاك.
- وما في صحيح مسلم أيضا عن عائشة أن امرأة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم هل تغتسل المرأة إذا احتلمت وأبصرت الماء فقال نعم فقالت لها عائشة تربت يداك وألت ... الحديث
فقال النووي في شرحه للحديث الأول:
وأما قولها:
(تربت يمينك)
ففيه خلاف كثير منتشر جدا للسلف والخلف من الطوائف كلها , والأصح الأقوى الذي عليه المحققون في معناه: أنها كلمة أصلها افتقرت , ولكن العرب اعتادت استعمالها غير قاصدة حقيقة معناها الأصلي , فيذكرون تربت يداك , وقاتله الله , ما أشجعه , ولا أم له , ولا أب لك , وثكلته أمه , وويل أمه , وما أشبه هذا من ألفاظهم يقولونها عند إنكار الشيء , أو الزجر عنه , أو الذم عليه , أو استعظامه , أو الحث عليه , أو الإعجاب به. والله أعلم.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة:
(بل أنت فتربت يمينك)
فمعناه أنت أحق أن يقال لك هذا , فإنها فعلت ما يجب عليها من السؤال عن دينها , فلم تستحق الإنكار , واستحققت أنت الإنكار , لإنكارك ما لا إنكار فيه.اهـ
وقال النووي في شرحه للحديث الثاني:
(تربت يداك وألت)
هو بضم الهمزة وفتح اللام المشددة وإسكان التاء , هكذا الرواية فيه , ومعناه أصابتها الألة - بفتح الهمزة وتشديد اللام - وهي الحربة. اهـ
والدعاء بأن تصيب يدها الحربة واضح أنه دعاء عليها، وهو قرينة على أن الدعاء المصاحب له (تربت يداك) دعاء عليها أيضاً، ولا سيما أن في رواية مالك والنسائي (أف لك تربت يداك) والتأفف قرينة أخرى على أنها أرادت الذم لا المدح
وفي شرح سنن النسائي للسندي في شرحه لرواية النسائي لنفس الحديث:
(أف لك) استحقارا لها وإنكارا عليها وأصل الأف وسخ الأظفار .. (تربت يمينك) أي لصقت بالتراب بمعنى افتقرت وهي كلمة جارية على ألسنة العرب لا يريدون بها الدعاء على المخاطب بل اللوم ونحوه. اهـ
وفي المنتقى للباجي شرح الموطأ:
¥