ودعوى النسخ ضعيفة في الطرفين , والحق الجمع بينهما , وهو ممكن, و فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخالف قوله , وكلاهما شرع من عند الله , فالأرجح أن النهي للكراهة وافعل لبيان الجواز.
وهو أقرب المذاهب إلى الصواب , وهو رواية عن الإمام أحمد , ورواية أيضا عن الإمام أبي حنيفة و طائفة.
*وأما أحكام الاستنجاء:
-فأولها أن الاستنجاءيكون بثلاثة أحجار لا أقل , لحديث سلمان في "صحيح مسلم":نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن الاستجمار بأقل من ثلاثة أحجار",وثبت الأمر بها أيضا.
والقول بوجوب ثلاثة الأحجار لا أقل قول الإمام أحمد و الشافعي رحمهما الله.
-ثم الاستنجاء بالماء ,و الماء أفضل , لحديث الصحيح عن أبي هريرة:"نزلت هذه الاية في أهل قباء:"فيه رجال يحبون أن يتطهروا":كانوا يستنجون بالماء ,فنزلت فيهم هذه الاية", رواه أبو داود و غيره وله طرق.وإلى تفضيل الماء ذهب أبو حنيفة وأحمد رحم الله الجميع.
-وأما النهي عن العظم وروث الحيوان , فقد صح في غير ما حديث , منها حديث سلمان الذي تقدم في "صحيح مسلم":نهى عن الاستجمار بأقل من ثلاثة أحجاروعن الاستنجاء برجيع أو عظم". و (الرجيع):هو الروث. وعلى هذا جمهور أهل العلم.
باب في النجاسات وأحكام التطهير
ونجاسة تعدادها الخنزير مع **بول لإنسان أو الحيوان
والمذي ريق الكلب مع دم حيضة**مع ميتة تطهيرها نوعان
بالماء وهو الأصل عند طهارة**أو رخصة جاءت من الرحمان
كالدلك طهر بالتراب نعالنا**أو ذيل ثوب جاء للنسوان
شرط النجاسة أن نزيل وجودها**في أي شيء طاهر الأركان
قبل الخوض في تعداد النجاسات يجب أن يستقر في القلب أن الأصل في كل شيء الطهارة وأن دعوى النجاسة هي حكم شرعي يحتاج إلى دليل.
وأما أن الأصل في كل شيء الطهارة فلقول الله عزوجل:"خلق لكم ما في الأرض جميعا". وهذه الاية يفهم منها الإباحة ثم الطهارة التي هي فرع من الإباحة.
وأما أن دعوى النجاسة حكم خاص يحتاج إلى دليل ,فلقول الله عزوجل:"وقد فصل لكم ما حرم عليكم".
-فأول النجاسات الخنزير: ونجاسته ثابتة في الكتاب العزيز:قال الله عزوجل:"أو لحم خنزير فإنه رجس ". والرجسية عائدة على الخنزير كله. وعلى هذا طوائف من أهل العلم كالشافعي و أحمد و غيرهم.
-وأما بول الإنسان و غائطه , فنجس بالإجماع وفيه ترهيب شديد , مثل قوله صلى الله عليه وسلم:"أكثر عذاب القبر في البول " وهو عند ابن ماجة وغيره عن أبي هريرة , وهو حديث صحيح.
-وأما أبوال ما لا يؤكل لحمه من الحيوان , هي نجس لحديث ابن عمر في "السنن":سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الماء و ما ينوبه من السباع و الدواب؟ فقال صلى الله عليه وسلم:"إذا كان الماء قلتين , لم يحمل الخبث" وهو حديث صحيح.وفيه إقرار بنجاسة الأبوال والاسار للسباع.
وأما أبوال ما يؤكل لحمه , فإن قول النبي صلى الله عليه وسلم:"صلوا في مرابض الغنم", وهو في "صحيح مسلم" عن جابر بن سمرة. وكذلك أمره للعرنيين أن يشربوا من أبوال الإبل وألبانها , وهو في "الصحيحين" عن أنس. فمثلها أبوال ما يؤكل لحمه جميعه. وهو قول مالك وأحمد ووجه عند الشافعية.
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية في "الماردينية": " وأما بول وروث ما يؤكل لحمه ,فإن أكثر السلف على أن ذلك ليس بنجس ".
ثم قال:"وقد بسطنا القول في هذه المسألة في كتاب مفرد , وبينا فيه بضعة عشر دليلا على أن ذلك ليس بنجس".
ثم بين أن قول النبي صلى الله عليه وسلم:"تنزهوا من البول":أنه بول الإنسان, لإنه هو الذي يصيب الإنسان عادة , وليس بول الحيوان , الذي تندر إصابته الإنسان , فاللام في قوله: "البول":للعهد وليست للاستغراق. والله أعلم.
-وأما نجاسة المذي , فلحديث علي في"صحيح مسلم ":أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يغسل ذكره ويتوضأ". وجماهير العلماء على نجاسة المذي.
-وأما لعاب الكلب , فلما صح في "صحيح مسلم" من حديث أبي هريرة:"طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب". وعلى هذا الجمهور كالشافعي و أحمد و غيرهم.
- ومثله في النجاسة سؤر ما لا يؤكل لحمه من السباع , لحديث القلتين المتقدم. وهو مذهب الإمام أحمد وجماعة.
باستثناء الهر , لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح في "السنن":إنها ليست بنجس ,إنها من الطوافين عليكم و الطوافات".
وقد صحح صاحب "المغني"ابن قدامة القول بطهارة سؤر الحمار و البغل أيضا , لإنهما من الطوافين و الطوافات, وهو قول قوي.
-ثم دم الحيض , وهو الدم الذي ثبتت نجاسته من بين سائر الدماء , فعن أسماء بنت أبي بكر , قالت: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم , فقالت:"إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيضة ,كيقف تصنع؟ فقال: تحته , ثم تقرصه بالماء ,ثم تنضحه , ثم تصلي فيه"أخرجه البخاري و مسلم, وفي الباب عدة أحاديث. وقد نقل النووي إجماع المسلمينعلى نجاسة دم الحيض.
-ثم الميتة , فإن إخبار رسول الله صلى اله عليه وسلم أن دباغة جلد الميتة تطهير له و استثناؤه منها دليل على أنها نجسة , وإنما تطهر جلدها عندما دبغ.قال صلى الله عليه وسلم:"اذا دبغ الإهاب, فقد طهر" أخرجه مسلم في
"صحيحه", وهو ظاهر. وبنجاسة الميتة يقول عامة أهل العلم.
ثم ذكرت أن الأصل في التطهير الماء , لما قدمنا من الايات و الأحاديث , ولقوله تعالى:"وأنزلنا من السماء ماء طهورا"
وقد جاءت نصوص صحيحة بأن دلك النعل بالتراب كاف في طهارته , كما في حديث أبي سعيد الخدري في "السنن", وحديث أم سلمة في طهارة ذيل الثوب عند أبي داود , وكلا الحديثين صحيح , وهذه رخصة من الله عزوجل.
بقيت فائدة , وهي: هل إزالة النجاسة بأي شيء طاهر مجزئة؟ فالحق أن إزالة النجاسة بأي شيء طاهر تجزئ , لأن المقصود إزالة النجاسة. وقد حصل , وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله , ولا دليل على خصوصية الماء في ذلك فقط.
¥