-وأما أكل لحم البعير ,فقد صح عند مسلم بلفظ: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال صلى الله عليه وسلم:"نعم توضأ".وهذا مذهب الإمام أحمد, وقد قال الشافعي:إذا صح الحديث بالوضوء من لحم الإبل ,قلت به.قال البيهقي "صح فيه حديثان: حديث جابر بن سمرة -وهو المتقدم- وحديث البراء بن عازب. وهو قول جماعة أهل الحديث, واختاره النووي في "شرحه على صحيح مسلم".
*ثم نبهت إلى بعض الأمور التي لا تنقض الوضوء:
-فأما لمس النساء , فلا ينقض الوضوء بحال ,سواء بشهوة أو غيرها , لأن عمدة من رأى نقض الوضوء بذلك الاية الكريمة:"أولامستم النساء",وفي قراءة أخرى:"أو لمستم النساء",هذه الاية فقط , وأما الأحاديث ,فلا يصح منها شيء, وأما الاثار عن الصحابة , فليست بشرع ,ومعارضة بمثلها أيضا.
فالجواب عن الاية أن الصحيح في تفسيرها أن اللمس هنا الجماع, لأن ذلك هو الصحيح لغة و سيرا مع الدليل:
فأما اللغة ,فقد نص صاحب "القاموس", أن من معاني (لمس) , أي جامع.
ثم السير مع الدليل, فقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم لمس عائشة في غيرما حديث, أوسعها دلالة حديث:"كان يقبل و يخرج إلى الصلاة و لا يتوضأ",وهو حديث صحيح مخرج في"السنن" ,وله طرق, وقد قال الشافعي:إن صح , قلت به. وفيه دليل على أن اللمس بشهوة و بغيرها لا ينقض الوضوء. وهومذهب أبي حنيفة رحمه الله ,وهو الحق إن شاء الله تعالى.
-ثم ذكرت القيء ,فقد صح:"أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ",عند الترمذي وغيره و لكن مجرد فعله لا يثبت به غير الاستحباب, وليس بواجب. وإلى عدم الوضوء من القيء ذهب الإمام الشافعي واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله.
-وكذلك سيلان الدم , فزيادة على أنه لا يصح حديث في وجوب الوضوء من نزول الدم, فقد صح الحديث بعكسه, كما روى أبو داود في "سننه"عن جابر بن عبد الله ,قال:خرجنا مع رسول الله هلى الله عليه و سلم (يعني:غزوة ذات الرقاع) ,فأصاب رجل امرأة رجل من المشركين, فحلف أن لا ينتهي حتى أريق دما في أصحاب محمد , فخرج يتبع أثر النبي ,فنزل النبي منزلا, فقال:"هل رجل يكلؤ؟ ". فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار, فقال:"كونا بفم الشعب". فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب, اضطجع المهاجري و قام الأنصاري فصلى , فأتى الرجل فلما رأى شخصه عرف أنه ربيئة القوم, فرماه بسهم فوضعه فيه, فنزعه, حتى رماه بثلاثة أسهم, ثم ركع وسجد .... الحديث. وهذه واقعة لا بد من أن علم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم, وفيها عدم نقض الوضوء بنزول الدم, وعدم نجاسة الدم أيضا ,وقد قدمنا أنه لا نجس إلا دم الحيض فقط. وعدم نقض الوضوء بالدم مذهب الشافعي رحمه الله وهو الحق. والله أعلم.
3الحصة الثالثة
باب في الأغسال الواجبة والمستحبة وأركان الغسل
والغسل يوجبه احتلام ظاهر**وخروج مني شهوة الإنسان
ومع انقطاع الحيض أو لنفاسه**والموت من بعد التقاء ختان
ومغسل ميتا كذلك من نوى **الإسلام فافهم شرعة الإحسان
أركانه هي نية وإفاضة**للماء تمت ذاك خير بيان
هو يستحب لمحرم ولجمعة**زد بعد إغماء مع الغشيان
ولمن أراد دخول مكة إنه** بدليله والحق مقترنان
*موجبات الغسل:
-ونبدؤها بالاحتلام وبخروج المني بالشهوة, سواء بتفكر أو بجماع أو استمناء ,لقوله صلى الله عليه و سلم:"إنما الماء من الماء" ,رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري, وكذلك حديث علي عند أبي داود:"إذا فضخت الماء, فاغتسل",وهو صحيح , وعند أحمد:"إذا حذفت ,فاغتسل ,وإذا لم تكن حاذفا, فلا تغتسل",وكلا الروايتين صحيحتان, وفيهما دلالة على أن المني إذا نزل لمرض أو عقيب الاغتسال بغير حذف وقذف ,أنه لا غسل فيه. وإلى ما تقدم ذهب عموم أهل العلم , إلا مسألة نزول المني بغير قذف, فهي مذهب الإمام مالك وجماعة.
-وأما وجوب الغسل عند انقطاع الحيض و النفاس ,فقد قال الله عزوجل:"و لا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله".وهذا إجماع مؤكد لا خلاف فيه.
-وأما وجوب تغسيل الميت, فسيأتي تفصيله في الجنائز و ذكر الأدلة عليه إن شاء الله عزوجل.
¥