"ما صدر من الرسول صلى الله عليه وسلم من الأقوال و الأفعال والتقرير والهم وهذا الأخير لم يذكره الأصوليون ولكن استعمله الشافعي في الاستدلال "
و منشأ الخلاف بين الأصوليين والمحدثين في تعريف الحديث على ما قاله العلامة السباعي رحمه الله هو:
" اختلافهم في الأغراض التي يعنى بها كل فئة من أهل العلم، فعلماء الحديث إنما بحثوا عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم الإمام الهادي الذي أخبر عن الله أنه أسوة لنا وقدوة فنقلوا كل ما يتصل به من سيرة
وشمائل وأخبار وأقوال وأفعال سواء أثبت ذلك حكما تشريعيا أم لا؟ و علماء الأصول إنما بحثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المشرع الذي يضع القواعد للمجتهدين من بعده ويبين للناس دستور الحياة فعنوا بأقواله وأفعاله وتقريراته التي تثبت الأحكام وتقررها "
ومن هنا كانت السنة عند الفقهاء والأصوليين غير السنة عند المحدثين فهي عند الأوائل عبارة عن المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه تشريع، أما عند المحدثين فهي كل ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان من الأفعال الجبلية والصفات الخلقية التي لا يتعلق بها لشرع طلب
فإذا عرفت ما سبق فأعلم أن علماء الحديث قد اختلفوا في تعريف الحديث الضعيف من حيث الاصطلاح على أقوال كثيرة إلا أنها متقاربة و يمكن إرجاعها إلى ثلاثة أقوال هي:
التعريف الأول:"كل حديث لم تجتمع فيه صفات الحديث الصحيح ولا صفات الحديث الحسن"
وهو قول ابن الصلاح و على هذا التعريف سار كثير ممن جاء بعده فشرح كلامه أو اختصره أو هذبه كالحافظ ابن جماعة والحافظ ابن كثير و النووي والجرجاني وغيرهم كثير ومع ذلك لم يسلم هذا التعريف من اعتراضات
ما يرد عليه:
اعترض الحافظ العراقي-وكذا الحافظ السخاوي في شرح الألفية1/ 96 - هذا التعريف بما مفاده أنه لا حاجة لذكر الصحيح لأن ما قصر عن الحسن فهو عن الصحيح اقصر
وقد أجاب عن هذا الاعتراض الحافظ الزركشي فقال:
" وهو عجيب لأن مقام التعريف يقتضي ذلك ولأنه لا يلزم من عدم وجود وصف الحسن عدم وجود وصف الصحيح، فالصحيح بشرطه السابق لا يسمى حسنا فالترديد متعين ونظيره قول النحوي بعد تعريف الاسم والفعل: والحرف ما لم يقبل شيئا من علامات الاسم ولا علامات الفعل ".
ولم يرتض الحافظ ابن حجر هذا الجواب فتعقبه بقوله:
"التنظير غير مطابق لأنه ليس بين الاسم والفعل والحرف عموم ولا خصوص بخلاق الصحيح
والحسن فقد قررنا فيما مضى أن بينهما عموم وخصوصا و أنه يمكن اجتماعهما وانفراد كل منهما
بخلاف الاسم والفعل. والحق أن كلام المصنف معترض ذلك أن كلامه يعطي أن الحديث حيث ينعدم فيه صفة من صفات الصحيح يسمى ضعيفا وليس كذلك "
و وجدنا السيوطي لم يرتض تعقب ابن حجر للزركشي فتعقبه قائلا:
" في صدر الكلام نظر لأنه إنما كان يرد عليه ذلك لو اقتصر على قوله"لم يجتمع فيه صفات الصحيح" أما وقد ضم إليه قوله "و لا صفات الحسن" فكيف يعطي ذلك "
و كذلك دفع ابن إبراهيم الوزير اليمني عن تعريف ابن الصلاح للضعيف بقوله:
"لا اعتراض على ابن الصلاح فإنه لا يلومه أن يحد الضعيف على رأي غيره، وإنما كان يلزمه لو كان يرى أن كل صحيح حسن، أو كان الدليل على أن كل صحيح حسن قاطعا ملتزما لكل مكلف أن يسميه بذلك "
إلا أن شارحه الصنعاني قال:
"إلا أن الذي تفيده عبارة ابن الصلاح انه يقول بأن الصحيح اخص من الحسن فإنه قد تقدم عنه أنه قسم الحسن على قسمين وأفاد فيما ذكره أخصية الصحيح ثم قال في آخر كلامه: ومن أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن ويجعله مندرجا في أنواع الصحيح لاندراجه في أنواع ما يحتج به. وهذا مع ما فصله هنالك يقضي بأن ابن الصلاح رأيه رأي من يقول بأن كل صحيح حسن فيتم الاعتراض عليه، على أنه لو سلم أنه يقول عن الصحيح والحسن متدان فالاعتراض وارد عليه لا غناء ذكر أحدهما عن الآخر ".
مهما يقال عن هذا الاعتراض يبقى هذا التعريف خاص بابن الصلاح ومن وافقه من أهل الحديث في تعريف الصحيح والحسن لأن هذا التعريف للحديث الضعيف متوقف على معرفة الصحيح والحسن وإن كان قد عرفهما ابن الصلاح في مقدمته إلا أن تعريفه لهما لم يحض بالإجماع إذ اختلافهم في بعض شروط الصحيح معروف.
¥